لا الشكور ، فهم على كل حال مشكورون ـ إشارة في العمرة ـ زيارة أهل السعادات لله في الدنيا بالقلوب والأعمال ، وفي الآخرة بالذوات والأعيان ، والعمرة من حيث هي عمرة لا تصح إلا بمكة ، ولما فيها من الشهود الذي يكون به عمارة القلوب تسمى عمرة. إشارة ـ كان على الصفا أساف وعلى المروة نائلة ، فلا يغفل الساعي بين الصفا والمروة ذلك ، فعند ما يرقى في الصفا يعتبر اسمه من الأسف ، وهو حزنه على ما فاته من تضييع حقوق الله تعالى عليه ، ولهذا يستقبل البيت بالدعاء والذكر ، ليذكره ذلك فيظهر عليه الحزن ، فإذا وصل إلى المروة وهو موضع نائلة ، يأخذه من النيل وهو العطية ، فيحصّل نائلة الأسف أي أجره ، ويفعل ذلك في السبعة الأشواط ، لأن الله امتن عليه بسبع صفات ليتصرف بها ويصرّفها في أداء حقوق الله ، لا يضيع منها شيئا ، فيأسف على ذلك ، فيجعل الله له أجره في اعتبار نائلة بالمروة ، إلى أن يفرغ ، أما الرمل بين الميلين ، فلأنه بطن الوادي ، وبطون الأودية مساكن الشياطين ، فيرمل في بطن الوادي ليخلص معجلا من الصفة الشيطانية ، والتخلص من صحبته فيها إذ كانت مقره ، ثم إن السعي في هذا الموضع جمع الثلاثة الأحوال ، وهو الانحدار والترقي والاستواء ، وما ثم رابع ، فحاز درجة الكمال في هذه العبادة ، أعطى
____________________________________
وكأن الحق في هذه الآية حيث ذكر اسم الشاكر أنه يحرض عبده ويطلب منه الزيادة من النوافل ، كما أنه سبحانه يزيد الشاكر النعم لشكره ، كما قال تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) وصف نفسه سبحانه بأنه يشكر عبده على ما تطوع به ليزيد في تطوعه ، فكان تنبيها ، واختلف الناس في السعي بين الصفا والمروة في الحج هل هو واجب أم لا؟ فإن النبي عليهالسلام قال في حجة الوداع : [خذوا عني مناسككم] فأمر ، فمعناه عندي أن يؤخذ من المناسك ما بيّن أنه فرض على جهة الفرضية والوجوب ، وما بيّن أنه سنة أمر أن يؤخذ على أنه سنة لا على أنه فرض ، وكذلك التطوع ، فمتعلق الأمر إنما هو أخذ الحكم على الفعل بالوجوب وغيره ، فقال جماعة منهم مالك والشافعي وابن حنبل وابن راهويه إنه فرض واجب ، وحجتهم قول النبي عليهالسلام حين سعى بين الصفا والمروة [اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي] وقد تكلم في هذا الحديث ، وهم يرون أن الأصل في أفعاله في هذه العبادة الوجوب إلا ما خرج بدليل ، وقد ذكرنا معنى قوله عليهالسلام : [خذوا عني مناسككم] وخرج الخبر في الآية مخرج الأمر عندهم ، وقال الكوفيون : هو واجب ، وهو عندهم دون الفرض وفوق التطوع ، وعلى تاركه دم وليس بركن من أركان الحج ، وقال أنس وابن عباس وغيرهما هو تطوع ، واحتجوا بالآية (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما)