ما اختلفتم في أحديته فقال : (وَإِلهُكُمْ) فجمعنا وإياهم (إِلهٌ واحِدٌ) ، فما أشركوا إلا بسببه فيما أعطاهم نظرهم ، ومن قصد من أجل أمر ما فذلك الأمر على الحقيقة هو المقصود لا من ظهر أنه قصد ، ولهذا ذكر الله أنهم يتبرؤون منهم يوم القيامة ، وما أخذوا إلا من كونهم فعلوا ذلك من نفوسهم لا أنهم جهلوا قدر الله في ذلك ، ألا ترى الحق لما علم هذا منهم كيف قال (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ، ونبههم فقال (سَمُّوهُمْ) فيذكرونهم بأسمائهم المخالفة أسماء الله ، والأسماء الإلهية كلها للمرتبة أي لمرتبة الألوهية إلا الاسم الواحد خاصة ، فهو اسم خصيص بالذات المقدسة التي لها نعوت الكمال والتنزيه ، لا يشاركها في حقيقته من كل وجه أحد لا من الأسماء ولا من المراتب ولا من الممكنات ، واعلم أن العبد الحق لا ينبغي أن يضاف إليه شيء ، فهو المضاف ولا يضاف إليه ، فإذا أضاف السيد نفسه إليه فهو على جهة التشريف والتعريف ، مثل قوله (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ). ـ راجع سورة الأنبياء آية ١٠٨ ـ (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) هذا هو أول توحيد يذكر في القرآن من الستة
____________________________________
خيرا ، ومن سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار] وقد نهى الله نبيه عن انتهار سائل العلم تعليما لنا ، فقال : (وأما السائل فلا تنهر) لأنه قال له : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) أي حائرا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ، يقول : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) أي يخفون (ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) يقول : من الأدلة على صدق ما جاء به (وَالْهُدى) في الكتاب المنزل عليهم (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ) من أجل الناس فيه ، فأخفوه عما لا يعرف الكتاب ، وهم المقلدة الأميون (أُولئِكَ) إشارة إلى الكاتمين ذلك (يَلْعَنُهُمُ اللهُ) يطردهم الله عن كل ما فيه راحة لهم وخير في الدار الآخرة ، فإن اللعن في اللسان الطرد واللعين المطرود (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) يحتمل وجهان : الوجه الواحد أن تكون لعنتهم إياهم قولهم : [لعنهم الله] على جهة الدعاء ، والوجه الآخر يوم القيامة حين تطردهم الملائكة عن الجنة إذا عاينوها في قوله : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) فذلك لعنة اللاعنين ، ثم استثنى منهم من رجع عن ذلك الكتمان (وَأَصْلَحَ) أي وعمل صالحا (وَآمَنَ) بالله ورسله صدقا من قلبه (وَبَيَّنُوا) وأعلموا من لا يعرف الكتاب من الأميين المقلدين ما أنزل الله وبيّنه في كتابه من الأدلة على صدق رسله ووعده ووعيده وأحكامه ، فقال : (١٦١) (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أي أرجع عليهم برحمتي ، فأنعم عليهم بالخير الذي طردتهم عنه (وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) قد تقدم تفسيره ، ثم قال فيمن لم يتب ومات على كفره (١٦٢) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) يقول : من استصحبه حال الكفر حتى مات