الأيام في قوله (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فالذي يجب على المكلف في سفره عدة من أيام أخر ، له الاختيار في تعيينها ، وإذا قضيت أيام رمضان من مرض أو سفر فاقضه متتابعا كما أفطرته متتابعا ، تخرج بذلك من الخلاف (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) الآية عندي مخصصة غير منسوخة في حق الحامل والمرضع والشيخ والعجوز ، فالحامل والمرضع يطعمان ولا قضاء عليهما ، والشيخ والعجوز إذا لم يقدرا على الصوم يفطران ولا يطعمان ، فإن الإطعام شرع مع الطاقة على الصوم ، وأما من لا يطيقه فقد سقط عنه التكليف في ذلك ، وليس في الشرع إطعام من هذه صفته من عدم القدرة عليه ، فإن الله ما كلف نفسا إلا وسعها وما كلفها الإطعام ، فلو كلفها مع عدم القدرة لم نعدل عنه وقلنا به ، والإطعام مد عن كل يوم (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) فقد قال فيه إن الصوم لا مثل له ، فهو عبادة لا مثل لها في الخيرية (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) قد تكون إن هنا بمعنى ما يقول. ما كنتم تعلمون أن الصوم خير من الإطعام لولا ما أعلمتكم ، ويكون معناها أيضا (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الأفضل فيما خيرتكم فيه ، فقد أعلمتكم مرتبة الصوم ومرتبة الإطعام ـ تحقيق ـ اعلم أن الحق إذا خير العبد فقد حيره ، فإن حقيقته العبودية فلا يتصرف إلا بحكم الاضطرار والجبر ، والتخيير نعت السيد ما هو نعت العبد ، وقد أقام السيد عبده في التخيير اختبارا وابتلاء ، ليرى هل يقف مع عبوديته أو يختار فيجري في الأشياء مجرى سيده ، وهو في المعنى مجبور في اختياره مع كون ذلك عن أمر سيده ، فكان لا يزول عن عبوديته ولا يتشبه بربه فيما أوجب الله عليه التخيير ، ولما نبه تعالى عباده على أن الصوم خير لهم إذا اختاروه أبان لهم بذلك عن طريق الأفضلية ، ليرجحوا الصوم على الفطر ، فكان هذا من رفقه سبحانه بهم
____________________________________
في القضاء الإطعام كما جاز في زمان رمضان ، لأن الصوم قد ترتب في الذمة بالترجيح في زمان التخيير ، وانقضى الزمان على ذلك ، ثم قال : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) أي يصومونه طاقتهم (فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) لكل يوم إطعام مسكين ، واختلف الناس في قدر ذلك ، والأولى أن يكون الإطعام نصف صاع من طعام ، إذ قد نص الشارع عليه في بعض الكفارات ، فالرجوع إلى الرسول عليه الصلاة والسلام عند الخلاف أولى (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) أي زاد على الواجب من جنسه فأطعم أكثر من مسكين أو أكثر من نصف صاع (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) أي أعظم لأجره (وَأَنْ تَصُومُوا) بدلا من الإطعام (خَيْرٌ لَكُمْ) عند الله وأعظم أجرا (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي إن عملتم بما