رحمتين ، هو قوله الرحمن الرحيم ، وضمن الآية الثالثة منها أيضا رحمتين ، وهما قوله الرحمن الرحيم ، فهو رحمن بالرحمتين ، العامة ، وهي رحمة الامتنان ، وهو رحيم بالرحمة الخاصة وهي الواجبة ، في قوله (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) الآيات ، وقوله (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) وأما رحمة الامتنان فهي التي تنال من غير استحقاق بعمل ، وبرحمة الامتنان رحم الله من وفقه للعمل الصالح الذي أوجب له الرحمة الواجبة ، فبها ينال العاصي وأهل النار إزالة العذاب ، وإن كان مسكنهم ودارهم جهنم ، وهذه رحمة الامتنان ، فالرحمن في الدنيا والآخرة ، والرحيم اختصاص الرحمة بالآخرة ـ نصيحة ـ الزم الاسم المركب من اسمين فإن له حقا عظيما ، وهو قولك الرحمن الرحيم خاصة ، ماله اسم مركب غيره فله الأحدية ، ومن ذكره بهذا الاسم لا يشقى أبدا.
(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٤)
يريد يوم الجزاء فهو يوم الدنيا والآخرة ، فإن الحدود ما شرعت في الشرائع إلا جزاء ،
____________________________________
وبما خلق في الموجودات من الرحمة التي يتعاطفون بها بعضهم على بعض ، وذلك سار في كل حيوان ، وهي لهم من باب المنة ، ومن حكم هذه الرحمة اجترأ من اجترأ على مخالفة أوامر الله من المؤمنين ، فإنهم لا يقنطون من رحمة الله ، قال تعالى (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) وفي حديث الشفاعة يقول الله : وبقي أرحم الراحمين ، فأتى بنعت الرحمة ، ومن رحمته تلقين عبده حجته (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)؟ ليقول له العبد : كرمك ، فيلطف به ، فلو قال : الشديد العقاب ، ذهل وتحير ، وقد يمكن أن يجري (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مجرى الاسم الواحد المركب ، مثل بعلبك ورام هرمز ، لما قيل في مسيلمة رحمان اليمامة ، ولم يطلق على أحد قط مجموع الاسمين ، وقد يكون الرحيم مبالغة في رحمته بعباده السعداء ، فإن رحمته قد خصها بقوله (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) أي أوجبها على نفسي لهم (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) الآية ، فهؤلاء يأخذونها من طريق الوجوب لقيام الأسباب التي جعلها الحق موجبة لها بهم ، ومن عدا هؤلاء فينتظرونها من باب المنة ، فإن التقييد من صفة الخلق لا من صفة الحق ، حتى إن إبليس يطمع فيها من باب المنة ، إذ لا مكره له ، وإن دخلوا النار ، يقول العبد في الصلاة (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يقول الله أثنى عليّ عبدي ، فهو قولنا إن أسماءه لا تجري مجرى الأعلام. (٤) (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يقول : مالك يوم الجزاء ، وهو يوم الدنيا