فيها صائمين ، فهي صفة تصحبكم إلى ليلة عيد الفطر ، ولو كانت إضافة ليلة الصيام إلى المستقبل لم تكن ليلة عيد الفطر فيها (١) ، فإنك لا تصبح يوم العيد صائما ، ولو صمت فيه لكنت عاصيا ، ولا يلزم هذا في أول ليلة من رمضان ، فإن الأكل والشرب وأمثاله كان حلالا قبل ذلك ، فما زال مستصحب الحكم ، فلهذا جعلناه للصوم الماضي (الرَّفَثُ) يعني الجماع (إِلى نِسائِكُمْ) فجاء بالنساء ولم يقل الأزواج ولا غير ذلك ، فإن في هذا الاسم معنى ما في النسأ وهو التأخير ، فقد كنّ أخرنّ عن هذا الحكم الذي هو الجماع زمان الصوم إلى الليل ، فلما جاء الليل زال حكم التأخير بالإحلال ، فكأنه يقول إلى ما أخرتم عنه وأخرنا عنه من أزواجكم وما ملكت أيمانكم ممن هو محل للوطء (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) المقصود بالضمير «هن» الزوجات ومن يحل جماعه ، فالمناسبة بينكم صحيحة ، ما هي مثل ما تلبستم بنا في صومكم حيث اتصفتم بصفة هي لي وهي الصوم ، فلستم لباسا لي ولست لباسا لكم ، فإن اللباس يحيط بالملبوس ويستره ، فهي تستره بنفسها وغطاها هو بذاته ـ إشارة لا تفسير ـ (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) الإشارة بهن إلى الأسماء الإلهية ، فهو تلبس الحق بالخلق في الصورة التي ظهر عنها الأثر في الشاهد ، كما ظهر عقلا عن الحق ، هن لباس لكم ، وأنتم لباس لهن ، تلبس الخلق في الفعل بالحق في الإيجاد بنسبة الفعل إلى الخلق.
____________________________________
من الأكل والشرب والنكاح ، وأن عمر بن الخطاب واقع أهله بعد صلاة العشاء ، فلما فرغ ندم وبكى وأخبر بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : [إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة ، فهل تجد لي رخصة] فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : [لم تكن جديرا بذلك يا عمر ـ الحديث بطوله] فأنزل الله (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) وهو كناية عن الجماع ، يقال الرفث والرفوث وهو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه في الجماع ، وقوله : (لَيْلَةَ الصِّيامِ) أي الليلة التي يصبحون في صبيحتها صائمين ، فكان لهم النوم وصلاة العشاء حدّا للمنع مثل ما صار طلوع الفجر بعد ذلك ، وما أنزل الله في هذه قضاء ذلك اليوم على عمر ولا غيره مما نزلت بسببه الآية ، فارتفع القضاء عن من جامع في رمضان وهو صائم ووجبت الكفارة بالسنّة ، ولم يثبت في ذلك حديث القضاء ، وقوله : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) أي يلابس بعضكم بعضا ،
__________________
(١) لأن ليلة عيد الفطر يجوز الوصال فيها لصيام اليوم الذي قبله.