الضعف ليحقر فيغفل عنه ، فينال مقصوده من الافتراس ، فإن ذنبه يشبه ذنب الكلب ، فيتخيل من لا يعرفه أنه كلب فيأمن منه ، فلا يمنع الفجر الأول من يريد الصوم من الأكل ، فأمر صلىاللهعليهوسلم بأكلة السحور وقال : إنها بركة أعطاكم الله إياها ، فأكد أمره بها بنهيه أن لا ندعها ، فكما صرح بالأمر بها صرح بالنهي عن تركها ، وأكد في وجوبها فهي سنة مؤكدة ، وعند بعض علماء الشريعة واجبة ، وأكلة السحور أشد في التأكيد من صلاة الوتر في جنس الصلاة ، لما ورد في ذلك من التصريح بالنهي عن تركها (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) كلمة إلى هنا تقتضي دخول الحد في المحدود ، وعنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : إذا غابت الشمس من ههنا وجاء الليل من ههنا فقد أفطر الصائم ، فسواء أكل أم لم يأكل فإن الشرع قد أخبر أنه قد أفطر ، وقال صلىاللهعليهوسلم : للصائم فرحتان فرحة عند فطره ـ لأنه غذاء طبيعته ـ وفرحة عند لقاء ربه ، وهو غذاؤه الحقيقي الذي به بقاؤه ، فإن المغذي هو الله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) فأبقى تحجير الجماع على من هذه حالته ، وكذلك في الأكل والشرب للذي ينوي الوصال في صومه ، يقول صلىاللهعليهوسلم : من كان مواصلا
____________________________________
صار حلالا ، فذكر من الكنايات ما لا يقبح عند العرب ذكره ، وذكر الرفث أولا لأنه وقع منهم في وقت التحريم ، وهو كناية يقبح ذكرها عند العرب لقربها في استعمالهم من لفظة التصريح الذي هو النيك ، ولهذا قرن هذه اللفظة بالفسوق في الحج فقال : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) ولم يقل غيرها من الكنايات ، وذلك لما فيها من الإفصاح عن الفعل (وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) أي واطلبوا وابحثوا عن ما فرض الله لكم عن تحليل وتحريم ، فاحكموا فيه بما حكم الله ، إن كان حراما فحرام أو حلالا فحلال ، ومن جملة ذلك إباحة الوطء من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ، وكذلك أيضا أباح الأكل والشرب (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) الذي هو بياض النهار (مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) الذي هو سواد الليل (مِنَ الْفَجْرِ) المستطير الممتد عرضا مع الأفق ، وهو انفجار الصبح من الليل كانفجار الماء من الحجر ، فيحرم عليكم عند ذلك ما ذكرت تحليله بالليل لكم (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) أي إلى غروب الشمس ، وليس الحد هنا داخلا في المحدود بخلاف قوله : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) وقوله : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فإن الحد هنالك داخل في المحدود ، وليس الفرق بينهما من اللفظ فإنه على السواء وإنما خرج هذا عن حكم هذا بدليل استفدناه من الشارع ، والألف واللام في الفجر للتعريف بالفجر الثاني المعترض ، فإن الفجر فجران : فجر أول وهو ذنب السرحان ، وهو يأخذ في الطول طالبا كبد السماء ،