(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) (١٩٨)
رفع الله الحرج عمن يبتغي فضلا من ربه ، وهي التجارة (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) ولم يخص مكانا من مكان ، وعرفات كلها موقف ، وعرنة من عرفات ، فمن وقف بعرنة فحجه تام إلا أنه ناقص الفضيلة ، فإنه موقف إبليس ، فهو موضع مكروه الوقوف به من
____________________________________
مخالف في الإعراب للفسوق والرفث ، فكان الحكم فيه أشد ، وقد قيل في تفسير ذلك وجوه : أولاها وأحسنها وأوجهها أن العرب كانت تختلف في ذلك كثيرا ، وهو قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) فكانت العرب تحج وقتا في المحرّم ووقتا في ذي الحجة ، لتجمع بين حجتين في سنة ، وتنقل أسماء الأشهر بعضها لبعض في وقت ، ثم ترد أسماءها عليها في وقت آخر ، فتقول في صفر وربيع الأول صفران ، وفي ربيع الآخر وجمادى الأولى ربيعان ، وفي جمادى الآخرة ورجب جمادان ، وتسمي شعبان رجب ، وتسمي رمضان شعبان ، وتسمي شوالا رمضان ، وتسمي ذا القعدة شوالا ، وتسمي ذا الحجة ذا القعدة ، وتسمي المحرم ذا الحجة ، فتحج في المحرم تلك السنة ثم ترد أسماء الشهور عليها ، فتقول لصفر صفر ، ولربيعين ربيعان ، ولجمادين جمادان ، ولرجب رجب ، وكذلك شعبان ورمضان ثم شوال ، ثم ذو القعدة ثم ذو الحجة ، فتحج فيه ، فتكون لها حجتان في اثني عشر شهرا ، فقال تعالى : (لا جِدالَ فِي الْحَجِّ) فنفى أن يعدل باسم الشهر عن مسماه ، وقال النبي عليهالسلام في ذلك : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلقه الله ، السنة اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان ، وأبطل النسأة ، فلا جدال في ذلك ، ثم قال : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) هذا من كرمه ولطفه التصريح بالخير والإغضاء عن الشر ، ولا شك أن من المعلوم أنه من يعلم الخير يعلم الشر ، فأخبر عن علمه بالخير ليتحقق العبد الجزاء عليه ، وكف عن التعريف بالعلم بالشر مع كونه عالما به ، ليعلم العبد من كرم الله أنه قد لا يؤاخذ به ويعفو ، على أنه قد كان من العرب من يعتقد ما اعتقده بعض النظار من أن الله لا يعلم الجزئيات ، ولكن باعتبار آخر غير اعتبار النظار ، وقد كان بعض العرب يعتقد أنه إذا تكلم جهرا سمعه الله ، وإذا تكلم سرا لم يسمعه الله ، فأخبر الله في هذه الآية أنه عالم بكل