أجل مشاركة الشيطان ، فما أراد صلىاللهعليهوسلم بارتفاعه عن بطن عرنة إلا البعد من مجاورة الشيطان (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) وهو المزدلفة ، وسماها الله بالمشعر الحرام لنشعر بالقبول من الله في هذه العبادة بالعناية والمغفرة وضمان التبعات ، ووصفه بالحرمة لأنه في الحرم ، فيحرم فيه ما يحرم في الحرم كله ، فإنه من جملته ، فأمر بذكر الله فيه ، يعني بما ذكرناه ، فإن الشيء لا يذكر بأن يسمى ، وإنما يذكر بما يكون عليه من صفات المحمدة ، ومنها الصلاة ، فقد أجمع العلماء على أنه من بات بالمزدلفة وصلى فيها المغرب والعشاء وصلى الصبح يوم النحر ووقف بعد الصلاة إلى أن أسفر ثم دفع إلى منى أن حجه تام.
____________________________________
ما يفعله العبد من خير في هذه العبادة وغيرها ، ولم يذكر الشر لأنه لم يشرع في هذه العبادة شيئا من الشر ، فهو تأكيد لقوله : (وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ) أي لا يفعل في الحج إلا ما شرع أن يفعل في الحج ، واختلفوا في نكاح المحرم وإنكاحه بمعنى العقد لا بمعنى الوطء ما حكمه؟ وفي هذه المسألة عندي نظر إذا وطئ قبل الوقوف بعرفة ، لأن زمان جواز وقوع الإحرام ما انصرم ، وليس هذا التفسير موضع تفريع المسائل إلا إذا تكلم في أحكام القرآن لمن يستوعب الكلام فيه بإيراد الأحاديث في الأحكام المشروعة ، إذ كان الكتاب أحد الأدلة المشروعة ، وقوله : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) يحرض في هذه الآية على التكثير من الزاد لمن أراد الحج من أهل الآفاق ، وتضعيفه لطول الطريق ومفازاته ، وما يطرأ فيه من العوائق ، فيطول الزمان على الحاج فقال : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) وهو ما يقي به المرء وجهه عن السؤال عند الحاجة ، فإن السؤال يذهب بماء الوجه ، ولا شك أنه من لم يتزود ولا استكثر من الزاد في الغالب فإنه ما وقى وجهه عن السؤال ، إذ كان معرضا للحاجة ، فهذا معنى التقوى هنا ، وكذا قوله : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) من هذا الباب ، غير أنه على وجه آخر ونسق غير هذا ، ثم قال مما يؤيد ما ذهبنا إليه في تفسير التقوى : «واتقوني يا أولي الألباب» فخاطب أهل العقول والاستبصار ، وهم الخاصة من عباده الذين نوّر الله قلوبهم بالعقل عن الله ، فقال لهم : «واتقوني يا أولي الألباب» إذ كان أصحاب الزاد يتخذونه اتقاء الحاجة ، فأنا أولى من يتقى ، إذ كان بيدي إنزال الحاجة ورفعها ، فالعالم العاقل عن الله الأديب يستكثر من الزاد في طريق الحج اتقاء الله أن ينزل به الحاجة إليه ، إذ العبد معرض لذلك ولو بلغ ما بلغ ، قال أيوب عليهالسلام : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) وقال عليهالسلام : (أخرجني الجوع) والعامة من العباد يستكثرون من الزاد اتقاء الحاجة إليه مع الغفلة عن الله ، فلهذا ضمنت الآية النوعين من التقوى ، العام والخاص ، ثم قال : (١٩٩) (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) الآية ، يقول لا إثم عليكم في هذه العبادة