إشارة ـ عرفات هي موقف حصول المعرفة بالله ، فإنه لما وصل الحاج إلى البيت ، ونال من العلم بالله ما نال ، ونال من المبايعة والمصافحة ليمين الله تعالى ما يجده أهل الله في ذلك ، وحصل من المعارف الإلهية في طوافه بالبيت وسعيه وصلاته بمنى ، أراد الله أن يميز له ما بين العلم الذي حصل له في الموضع المحرم ، وبين المعرفة الإلهية التي يعطيه الله المحل في الحل وهو عرفة ، فإن معرفة الحل تعطي رفع التحجير عن العبد ، وهو في حال إحرامه محجور عليه لأنه محرم بالحج ، فيجمع في عرفة بين معرفته بالله من حيث ما هو محرم وبين معرفة الله من حيث ما هو في الحل ، فتميز العبد بالحجر لبقائه على إحرامه أنه ليس فيه من الحق المختار شيء ، وتميز الحق بالحل أنه غير محجور عليه فهو يفعل ما يريد ، ولما كان يوم عرفة ثلاثة أرباع اليوم ، من زوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر ، وكان ينبغي أن لا نسمى عارفين بالله ، حتى نعلم ذاته وما يجب لها من كونها إلها ، فإذا عرفناه على هذا الحد فقد عرفناه ، وهذا لا يكون ، فإن المعرفة بالله على التمام والكمال لا تكون ، فإن يوم عرفة ثلاثة أرباع اليوم ، فإنا لما بحثنا بالأدلة العقلية وأصغينا إلى الأدلة الشرعية ، أثبتنا وجود الذات وجهلنا حقيقتها ، وأثبتنا الألوهة لها ، فهو نصف المعرفة بكمالها ، والربع وجودها أعني وجود الذات المنسوبة إليها الألوهة ، أما الربع الذي لا يعرف فهو معرفة حقيقتها ،
____________________________________
المشروعة لإقامة ذكر الله ، خرج أبو داود عن النبي عليهالسلام [أن المناسك شرعت لإقامة ذكر الله] فربما يتوهم العبد أنه لا ينبغي أن يذكر الله فيها إلا بما يخص جنابه من الإجلال والتعظيم وما تستلزمه تلك العبادة على الخصوص ، فأباح الله لعباده فيها أن يطلبوا منه فضله من خير الدنيا من المال والولد والأهل ما لم يكن ، ومن خير الآخرة ، ولهذا خصه بالاسم الرب ، إذ بيده مصالح الدنيا والآخرة ، وهو مالك الملك ، وقد يريد بابتغاء الفضل هنا التجارة في هذا اليوم ، فرفع الإثم لمن اتجر فيه بحيث أن لا يمنعه ذلك من ذكر الله ولا يشغله عن عبادته ، ويجعل تجارته في ذلك اليوم من جملة عبادته ، ولهذا قال : (فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) فما عرى هذا الفضل المطلوب عن الإضافة إليه ، أي لا أغيب عنكم في حال طلبكم لهذا الفضل واطلبوه مني ، فإني الذي أسوق إليكم الأرباح ، والفضل الزيادة ، والربح زيادة على رأس المال ، وما أمر الله بطلبه منه في ذلك اليوم إلا وهو تعالى قد علم أنه يعطيه ، فإن خسر التاجر في ذلك اليوم ونقصه من رأس ماله ، أو لم يزد عليه شيء ، فهي علامة له على غفلته عن الله في طلب الفضل منه في وقت تجارته وبيعه وشرائه (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) يقول : إذا دفعتم من عرفات ، اسم لموضع الوقوف في الحج ، ويحتمل