(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٦)
قرئ الزراط بالزاي وهي لغة وقرأ ابن كثير السراط بالسين وحمزة وباقي القراء بالصاد ، والصراط الذي سألته النفس هنا هو صراط النجاة بالتوحيد والتنزيه الذي سار عليه الذين أنعمت عليهم وهو الشرع هنا ، ولا يزال العبد في كل ركعة من الصلاة يقول (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) لأنه أدق من الشعر وأحد من السيف ، وكذا هو علم الشريعة في الدنيا ، لا يعلم الحق في المسألة عند الله ولا من هو المصيب من المخطئ بعينه ، ولذلك تعبدنا بغلبة الظنون بعد بذل المجهود في طلب الدليل ، فالنص الصريح أحد من السيف وأدق من الشعر في الدنيا ، والصراط ظهوره في الآخرة محسوس أبين وأوضح من ظهوره في الدنيا ، إلا لمن دعا إلى الله على بصيرة كالرسول وأتباعه.
____________________________________
غَفُوراً) والغفر الستر ، وسيأتي الترجمة عنها في موضعها ، كما أنه سبحانه إذا كنى عن نفسه بالنون في مثل (نزلنا) و (خلقنا) و (نحن) فالناس يجعلون ذلك للعظمة ، وليس في الأصل بصحيح ، بل هي على بابها من الجمع في الدلالة ، وغاية من قدر على معناها وقرب أن قال : إذا قال بقوله جماعة لمكانته وشرفه ولا يرد له قول ، فبذلك الاعتبار يكنى بالنون عن الواحد ، وليس كذلك ، ولكنه أقرب الوجوه ، بل الوجه الصحيح أن الكناية هنا عن الأسماء التي عنها تقع الآثار على اختلافها ، وإن جمعتها ذات واحدة ، فهو العالم من حيث كذا ، والقادر من حيث كذا ، والمريد من حيث كذا ، والرازق من حيث كذا ، فكثرت الوجوه والنسب ، فطلبت النون ، ومعنى نعبد نتذلل ، يقال أرض معبدة أي مذللة ، وسمي العبد عبدا لذلته ، يقول العبد في الصلاة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) يقول الله (هذه الآية بيني وبينك ، ولعبدي ما سأل) يعني الكاف له والنون للعبد ، والسؤال هنا الاستعانة ، فقد وعد بها ، بل هي له في الوقت ، فإنه لولا معونته ما قام إلى الصلوة ، فليس يطلب إلا استصحاب المعونة ، والذي لنا القيام بالعبودة وطلب المعونة منه ، إذ لا حول ولا قوة إلا بالله ، والذي له إعطاء المعونة ، وتعيين ما عبد من أجله ، كل على حسب ما ألقي فيه من القصد ، فمن عابد لما تقتضيه الربوبية من التعظيم ، ومن عابد وفاء بحق العبودة والعبودية معا ، ومن عابد طمعا فيما وعد ، ومن عابد حذرا مما أوعد ، وهذا تقتضيه العبودة. قوله (٦) (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) الآية يقول : بيّن لنا الطريق الموصلة إلى سعادتنا عندك ، إذ كل طريق موصلة إليه ، قال تعالى (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) و (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) و (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فأتى به نكرة ، لأنه على كل صراط