معد حتى يظهر ، إلا الأماكن التي عيّنها الله ، فإنها ترجع إلى الجنة يوم القيامة ، مثل الروضة التي بين منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين قبره صلىاللهعليهوسلم ، وكل مكان عينه الشارع ، وكل نهر ، فإن ذلك كله يصير إلى الجنة ، وما بقي فيعود نارا كله وهو من جهنم ، والجنة وجهنم عندنا مخلوقتان غير مخلوقتين ، فأما قولنا مخلوقة ، فكرجل أراد أن يبني دارا فأقام حيطانها كلها الحاوية عليها خاصة ، فيقال قد بنى دارا ، وغير مخلوقة هو ما يوجد فيها نتيجة أعمال العباد.
____________________________________
جهة القربة إلى الله ، فإنه أمكن في العداوة لاتخاذه ذلك دينا ، ولو كان يعلم أنه حق لقال : ويشهد الله بفتح الياء ورفع الله على الفاعلية (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) أي شديد الخصومة في الحالتين ، إذا نازعه أحد فيه صلىاللهعليهوسلم خاصمه أشد الخصومة تحببا للنبي صلىاللهعليهوسلم وتملقا له ، وإذا نازعه أحد في صدق نبوة محمد أنه على الحق في محل لا يعرف أنه يصل إليه ذلك الكلام ، خاصمه أشد الخصومة في الرد على النبي والكفر به ولهذا وصفه بما قال : (٢٠٦) (وَإِذا تَوَلَّى) يقول : وإذا غاب عنك (سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها) أي بالفساد (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ) بحرق الزرع وعقر البقر (وَالنَّسْلَ) بالقتل (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) إبقاء على من أنزلت من أجله هذه الآية ، ليرجع إلى الإسلام ، وهو من القول اللين الذي أمر الله نبيه موسى وهارون أن يقولا لفرعون فقال : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ) وإن كان قد علم سبحانه أنه لا يتذكر ولا يخشى ، فقال : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) فنفى عن نفسه حب الفساد ، لعله يرجع عن هذه الصفة ، ولم يسمه لقوله : (وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) لقصده التقرب بذلك إليه سبحانه ، ثم قال ينبه على شرفه في نفسه ، وتمكن الكبرياء من قلبه ، وأنه بمحل من العظمة في نفسه أن يقول له من هو في نفسه دونه اتق الله ، فقال : (٢٠٧) (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ) كبر ذلك عليه لا تكبرا على الله ولكن احتقارا بالمخاطب ، فأخبر تعالى أنه (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ) أي حمية الجاهلية (بِالْإِثْمِ) أي على الإثم الذي ينهى عنه ، فيفعله لجاجا وعزة على القائل له هذا ، فأخبر سبحانه المؤمنين ليريحوا أنفسهم من مثل هذا المتكبر ، فقال : (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) أي كفايته جهنم ، أي جهنم تكفيكم شره (وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) يذم مقره فيها ، قال السدي : نزلت هذه الآيات في الأخنس بن شريق ابن عمرو بن وهب بن أبي سلمة الثقفي ، واسم أمه ريطة بنت عبد الله بن أبي قيس القرشي ، من بني عامر بن لؤي ، وكان حليفا لبني زهرة ، أقبل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فأظهر الإسلام ، فأعجب النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك منه ، وقال : إنما جئت أريد الإسلام والله يعلم أني لصادق ، ثم خرج من عند النبي صلىاللهعليهوسلم ، فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر ، فأحرق الزرع وعقر الحمر ، فنزلت الآيات ، وقال ابن عباس : نزلت في رجال من المنافقين ، لما أصيبت السرية أصحاب خبيب بالرجيع ،