الحياة الدنيا زمان الصلح واستدراك الفائت والجبر بمن قام بمصالح الأمور المرضية عند الله تعالى المسماة خيرا الموافقة لما نزلت به الشرائع ، فهو حليم لا يعجل لعدم المؤاخذة مع الاقتدار ، فإمهاله العبد المستحق للأخذ إلى زمان الأخذ ، حبس عن إرسال الأخذ في زمان الاستحقاق ، فكل عبد استحق العقاب على مخالفته لما جاء الرسول إليه به فقد أمهله
____________________________________
يقول : والذين يموتون منكم ، خطابا للرجال ، ويتركون أزواجا في عصمة نكاحهم ، وهي المرأة الحرة التي عقد عليها ودخل ، ثم مات عنها وهي في نكاحه ، فأمرها الله أن تحبس نفسها عن النكاح وعن الزينة ، وهي الإحداد أربعة أشهر وعشرة أيام ، فقال تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) يقول : إذا انقضت عدتهن التي ذكرناها (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) يخاطب الحكام والمسلمين ، أي لا حرج فيما فعلن في أنفسهن من نكاح أو زينة (بِالْمَعْرُوفِ) على الحد المشروع ، وفي هذه الآية أيضا دليل على إنكاحها نفسها ، لأنه أضاف الفعل إليها ، ولم يقل فيما أمرن أن يفعلن في أنفسهن ، فيكون الخطاب للأولياء (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) من جميع أعمالكم ، تنبيه من الله أن لا يتصرفوا ولا يعملوا إلا على حد ما شرع لهم سبحانه ، وقوله : (وَعَشْراً) يريد الليالي ، فحذف الهاء وكانت الأيام تبعا ، فإن الليل في حساب العرب مقدم على النهار (٢٣٦) (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) يقول : ولا حرج عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء من غير تصريح بلفظ يدل على النكاح ، لا صريحا ولا كناية للمرأة التي في العدة ، ولكن يقول لها كلاما يفهم بقرينة الحال ـ لا من نفس ما تكلم به دون القرينة ـ أنه يريد نكاحها ، فتمسك نفسها عليه إن وقع لها في ذلك غرض ، وكذا فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ذكر لأم سلمة وهي في عدتها مكانته من الله عزوجل وما شرفه الله على سائر خلقه ، فكان ذلك خطبة ، فلما انقضت عدتها تزوج بها ، وقوله : (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) يريد بذلك ما سترتم في نفوسكم من إرادتكم بذلك التعريض نكاح المرأة ، وحدثتم به أنفسكم ، لا إثم عليكم في ذلك (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ) يقول : إن الإنسان من جبلته أنه لا يخلو ولا ينفك أن يحدث نفسه في نفسه بما يشتهي ويريد فعله قبل أن يفعله ، فرفع الله عن عباده الإثم في ذلك ، ثم حذف (فاذكروهن) لدلالة الكلام عليه ، وجاء بحرف الاستدراك الدال على المحذوف ، فقال : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) أي لا تذكروا لهن في التعريض لفظة جماع ولا نكاح ، ولا تكنوا عن ذلك وقد يحتمل أن يريد بالسر هنا ضد العلانية ، لأن التستر بالكلام في مثل هذا يدل على أنه ربما يقول ما يفحش سماعه ، ولذلك استثنى استثناء متصلا فقال : (إِلَّا أَنْ