في خلقه ، وبما يكون عليه سبحانه في نفسه ومما يصف به نفسه مما يحيله عليه العقل إذا انفرد بدليله دون الشارع ، فالعاقل الحازم يقف ذليلا مشدود الوسط في خدمة الشرع ، قابلا لكل ما يخبر به عن ربه سبحانه وتعالى مما يكون عليه ومنه.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (٢٤٣)
المراد هنا الفضل العام والخاص لما كان الناس يفضل بعضهم بعضا والرسل تفضل بعضهم بعضا (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) فإن عين الشكر عين النعم ، ومن النعم دفع النقم ، كم نعمة لله أخفاها شدة ظهورها ، واستصحاب كرورها على المنعم عليه ومرورها ، وهم في غفلة معرضون ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، بل لا يشعرون بل لا يشكرون.
____________________________________
يقول : إن حكم المطلقة ما هو حكم المتوفى عنها زوجها ، وهو عموم في جميع المطلقات ، وهذه مسألة خلاف بين العلماء ، فمن الناس من قال : إن المتاع هنا نفقة العدة ، ومنهم من قال : هي في غير المدخول بها كما تقدم ، ومنهم من قال : واجبة في كل مطلقة ، وقوله تعالى : (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) أي واجبة على من يتقي الله فيفعل ما أوجب الله فعله عليه ، والظاهر لو أراد بهذه الآية ما أراد بالأولى التي هي غير المدخول بها التي لم يفرض لها لكانت خلية عن الفائدة ، فالأوجه أن يكون مثل الأولى في الوجوب في غير المدخول بها ، وفي المدخول بها على الاستحباب والندب من الله إلى ذلك ، والتقي يبادر إلى ما ندبه الله إليه مبادرته إلى الواجب على السواء ، إيثارا لما اختاره الله له وإن لم يجب عليه ، فإن المتقي يوجبه على نفسه ، ومن ألزم نفسه طاعة ألزمه الشارع إياها فلذلك قال : (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) أي واجبا ، وما كل مؤمن ذا تقوى ، وفي غير المدخول بها واجب ولا بد ، ثم قال : (٢٤٣) (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ) أي يظهر لكم (آياتِهِ) أي العلامات التي تستدلون بها على الأحكام ، أو يقول : كما بينت لكم الأحكام بما أنزلته عليكم في الكتاب ، مثل ذلك يبين الله لكم آياته التي جاءت بها الأنبياء دلالات على صدقهم ، وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي تقيّدون أنفسكم بالعمل بها ، مأخوذ من العقال ، فلا تسرحوا إلا فيما سرحكم الشرع فيه ، ثم قال : (٢٤٤) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا