انفساح فيه ، والله يقبض بمنع غضبه ، ويبسط ببسط رحمته ، ويقول أبو عبد الله (١) : والله يقبض القرض ، ويبسط الأجر ، واعلم أن الفرق بين الحضرتين القبض والبسط ، أن القبض لا يكون أبدا إلا عن بسط ، والبسط قد يكون عن قبض وقد يكون ابتداء ، فالابتداء سبق الرحمة الإلهية الغضب الإلهي ، والرحمة بسط ، والغضب قبض ، والبسط الذي يكون بعد قبض كالرحمة التي يرحم الله بها عباده بعد وقوع العذاب بهم ، فهذا بسط بعد قبض ، وهذا
____________________________________
وعلمت قصتهم وحديثهم ، فإن الخبر الصدق والمعاينة على السواء في التصديق بذلك ، ولا أصدق من الله حديثا ، وهو المخبر بقصة هؤلاء الذين أخبر عنهم ، فلا فرق عندنا بين أن نشهدهم بأعيننا في هذه الآية وبين هذا الخبر الإلهي ، بل أتم وأوضح ، وقوله : (وَهُمْ أُلُوفٌ) أي متألفون ، جمع ألف ، كجالس وجلوس ، وقد يمكن أن يكون من العدد ، ويكون الأمران معا ، فأخبر الله تعالى أنهم خرجوا فرارا من الموت ، وهو أن الطاعون كان نزل بهم ، فأراهم الله أنه لا ينجي حذر من قدر ، قال تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)(فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا) فماتوا ميتة رجل واحد (ثُمَّ أَحْياهُمْ) ليعتبروا ، فإن الأجل المسمى ما كان وصل وقته ، وإنما كان هذا موت اعتبار وإحياء اعتبار لهم ولنا من بعدهم ، ليعلموا أن الله على كل شيء قدير ، وأنه لا راد لأمره ، ويخرج على هذا قوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) يريد في الأولى التي هي الدار الدنيا ، فحذف حرف الجر ، فإن هؤلاء حصل لهم في الدنيا موتتان ، ولأمثالهم ، ثم قال : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) منه هذا وأمثاله (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) أي يكفرون بنعم الله عليهم ، هؤلاء القوم الذين أخبر الله عنهم كانوا من بني إسرائيل ، وكان ذو الكفل نبيهم الذي بعث إليهم ، وهو حزقيل بن روم ، وقيل حزقيا بن روم ، وكان الله قد أمره أن يخرج بقومه لقتال عدوهم ، وكان الطاعون كثيرا ، ما يكون بأرض عدوهم ، فخاف قومه من القدوم على تلك الأرض ، فأبوا عليه ، فابتلاهم الله بالطاعون ، فخرجوا من مدينتهم حذر الموت ، فدعا الله حزقيل عليهالسلام ربه أن يريهم آية يعرفون بها أنه لا ينجيهم حذرهم من قدر الله ، فقال لهم الله : موتوا ، فماتوا ميتة رجل واحد ، وجيفوا وانتثرت لحومهم عن عظامهم ، ثم دعا الله حزقيل أن يحييهم فأحياهم ، فلما رأوا ذلك تحققوا أن الفرار من قدر الله لا ينجيهم ، ثم قال تعالى : (٢٤٥) (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يحتمل أن يكون المخاطب هؤلاء القوم بالقتال ، فيكون إخبارا لنا من الحق بتمام القصة وبما أمرهم به ، ويحتمل أن يكون المؤمنون المخاطبين بهذه الآية بعد فراغ القصة ، تحريضا للمؤمنين على جهاد عدوهم ، ولا يقولوا مثل ما قال هؤلاء الذين أبوا على نبيهم ، فإن الله (سَمِيعٌ) لكل ما يتكلمون
__________________
(١) أبو عبد الله هو الجامع لهذا التفسير.