نصبت ، مثل قوله تعالى في تابوت بني إسرائيل إن الله قد جعل فيه سكينة ، وهي صورة على شكل حيوان من الحيوانات ، اختلف الناس في أي صورة حيوان كانت ، ولا فائدة لنا في ذكر ما ذكروه من صورتها ، فكانت تلك الصورة إذا هفت أو ظهرت منها حركة خاصة بصروا ، فسكن قلبهم عند رؤية تلك العلامة من تلك الصورة التي سماها سكينة ، وأن السكينة المعلومة إنما محلها القلوب ، ولم يجعل لهذه الأمة المحمدية علامة خارجة عنهم على حصولها ، فليس لهم علامة في قلوبهم سوى حصولها ، فهي الدليل على نفسها ، ما تحتاج إلى دليل من خارج كما كان في بني إسرائيل.
____________________________________
كان يقرأ القرآن وله فرس فجعلت الفرس تضرب بيديها وتنفر ، فنظر الرجل فإذا غمامتان قد نزلتا من السماء ، فلما سكت عن القراءة ارتفعتا ، فذكر ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : تلك السكينة نزلت للقرآن وكانت الملائكة في الغمامتين ، وقوله : (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) يعني الأنبياء (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) فيقال كان فيه عصا موسى وعمامته وشيء من التوراة وثياب موسى ورضراض الألواح والطست الذي كان يغسل فيه قلوب الأنبياء ، ثم قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وهذا دليل على مغايرة العلم للإيمان كما قدمنا ، فإن الدليل يعطي العلم لذاته ولا يعطي الإيمان ، فالإيمان نور يقذفه الله في قلب من خصه من عباده ، وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي مصدقين بأن النصر يكون مع التابوت ، والآية كانت في إتيانه لا فيه ، فقوله : (ذلِكَ) إشارة إلى الإتيان ، فجعله دليلا على صدق شمويل أن الله بعث لهم طالوت ملكا ، فأضيفت الآية للملك المضاف إلى طالوت لأنه محل النزاع ، وقوله : (لَآيَةً لَكُمْ) يدل على أنه علم سبحانه أنهم اتخذوا الإتيان دليلا ، لأنه من لم يتقرر عنده كون هذا الأمر دليلا على كذا لا يكون عنده دليلا ، وإن كان في نفس الأمر دليلا ، ولكن هنا غموض ، فإنه إذا حصل هذا الدليل عند الناظر فيه من جميع وجوهه باستيفاء أركانه ، فلا بد أن يكون عنده دليلا لأنه لذاته يدل ، ويرتبط بمدلوله ، فليس الدليل بالإضافة ، فالجهل إنما حصل من كون الناظر ما استوفى النظر فيه ، ولهذا انقسم الناظرون في آيات الأنبياء إلى قسمين : قسم لم يحصل لهم العلم بالدليل فكفروا بالمدلول ، وقسم حصل لهم العلم بذلك فجحدوا بالآية واستيقنتها أنفسهم ، فيختلف الحكم عليهم في الآخرة من عند الله لاختلاف أحوالهم وإن جمعهم اسم الكفر ، فلما رأت بنو إسرائيل إتيان الملائكة بالتابوت إلى بيت طالوت على حد ما ذكره نبيهم سمعوا له وأطاعوا ، فخرج بهم طالوت لقتال عدوهم ، وهو قوله : (٢٥٠) (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ) من خرج من