من دخله خلل في إيمانه ، فإن الله يخذله على قدر ما دخله من الخلل ، أي مؤمن كان من المؤمنين ، فالمؤمن الكامل الإيمان منصور أبدا ، ولهذا ما انهزم نبي قط ولا ولي ، ألا ترى يوم حنين لما ادعت الصحابة رضي الله عنهم توحيد الله ، ثم رأوا كثرتهم فأعجبتهم كثرتهم فنسوا الله عند ذلك ، فلم تغن عنهم كثرتهم شيئا ، مع كون الصحابة مؤمنين بلا شك ، ولكن دخلهم الخلل باعتمادهم على الكثرة ، ونسوا قول الله (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) فما أذن الله هنا إلا للغلبة فأوجدها ، فغلبتهم الفئة القليلة بها عن إذن الله ـ إشارة ـ لما جرى نهر البلوى ، بين العدوتين الدنيا والقصوى ، وكان الاضطرار ، وقع الابتلا والاختبار ، لما كان الظما ، اختبر الإنسان بالما ، فلم يحصل له أمان الغرفة ، إلا من قنع في شربه بالغرفة ، فمن اغترف نال الدرجات ، ومن شرب ليرتوي عمر الدركات ، فما ارتوى من شرب ، وروي من اغترف غرفة بيده وطرب ، فمن رضي بالقليل ، عاش في ظل ظليل ، في خير مستقر وأحسن مقيل.
(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢٥١)
الحكمة هي علم النبوة ، والحكماء على الحقيقة هم العلماء بالله وبكل شيء ومنزلة ذلك
____________________________________
(قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ) فقال القليل منهم ، وهم الذين يظنون أنهم ملاقوا الله ، وقد تقدم الكلام في الظن في هذه السورة (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً) الفئة الجماعة ، وقوله : (بِإِذْنِ اللهِ) أي الغلب لا يقع إلا بإذن الله ، أي بأمره ، فإنه شيء ، وقد قال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وقال تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) وقوله : (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) قد تقدم الكلام عليه في هذه السورة ثم قال : (٢٥١) (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ