مع اجتماعهم في الرسالة والكمال يفضل بعضهم بعضا فيما لهم من الأخلاق الخاصة بهم ، وهي مائة وسبعة عشر خلقا ، وقد جمعها كلها محمد صلىاللهعليهوسلم ، جمعت له عناية أزلية ، فإن الله تعالى لما خلق الخلق خلقهم أصنافا ، وجعل في كل صنف خيارا ، واختار من الخيار خواصا وهم المؤمنون ، واختار من المؤمنين خواصا وهم الأولياء ، واختار من هؤلاء الخواص خلاصة وهم الأنبياء ، واختار من الخلاصة نقاوة وهم أنبياء الشرائع المقصورة عليهم ، واختار من النقاوة شرذمة قليلة هم صفاء النقاوة المروقة وهم الرسل أجمعهم ، واصطفى واحدا من خلقه هو منهم وليس منهم ، هو المهيمن على جميع الخلائق ، جعله عمدا
____________________________________
دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض ، أي ولولا أن الله يدفع بأوليائه شر أعدائه وفسادهم الذي يرمونه في دين الله وأوليائه (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) أي لظهر الفساد في الأرض (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) أي ذو منة وعناية على العالمين ، يعني عباده ، ثم قال لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (٢٥٣) (تِلْكَ آياتُ اللهِ) يعني جميع ما ذكره من هذه القصة (نَتْلُوها عَلَيْكَ) أي نعرفك بها (بِالْحَقِّ) أنها حق (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) يقول : كما أرسل هؤلاء ، وأنك ستلقى مثل ما لقي هؤلاء ، وتعزية له لما لقيه من بني قريظة والنضير ، ولما كانت الأنبياء قد جعلها الله صنفين : صنف أرسلهم إلى الخلق مبشرين ومنذرين ، وصنف لم يرسلهم بل نبأهم وجعلهم على شريعة من عنده تعبدهم بها ، قال لمحمد عليهالسلام : (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) منهم ، أي من الصنف الذي أرسل ، وكان صلىاللهعليهوسلم أعظم الرسل ، إذ كان الرسالة إلى كافة الناس ، فجميع بني آدم من زمان رسالته إلى يوم القيامة من أمته ، من آمن منهم ومن كفر ، فميزانه أرجح الموازين ، وسواد أمته أكثر سوادا يوم القيامة من سائر الأمم ، فهو المكاثر الذي لا يكاثر ، ثم نرجع إلى ذكر القصة بعد انقضاء التفسير فنقول : إن بني إسرائيل لما استولى عليهم جالوت وأخرجهم من ديارهم وحال بينهم وبين أبنائهم بالأسر والجلاء والقتل ، وأخذ التابوت الذي كانت تستنصر به الأنبياء على أعدائها في القتال ، وكان موسى لما مات في التيه ترك التابوت عند يوشع بن نون بن إفراييم ابن يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم الخليل ، وأوصاه به ، وما زال التابوت ينتقل من نبي إلى نبي بالوصية عليه ، إلى أن كفرت بنو إسرائيل وضلوا ، سلط الله عليهم جالوت فاتكا فيهم ، فقيل إن التابوت رفعه الله ، وقيل إن جالوت استولى عليه وأخذه منهم وبقي عنده ما شاء الله ، ولما رأت بنو إسرائيل ما جرى عليها ، اجتمع وجوههم إلى النبي الذي كان عندهم في ذلك الوقت وهو شمويل ، فقالوا له : إن عدونا استولى علينا وليس لنا ملك ولا رأس نرجع له ونسمع له