متبجح بباطل ، أي أقولها ولا أقصد الافتخار على من بقي من العالم ، وإن كنت أعلى المظاهر الإنسانية فأنا أشد الخلق تحققا بعيني (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) فمن حيث ما هي رسالة فلا فضل إذ الاسم يعم هذه الحالة ، ومن حيث ما هي رسالة بأمر ما وقع
____________________________________
صورته بحيث إذا رآه عدوه هابه ، وأما المال فإنّ الله بيده خزائن الأرض ومقاليدها ، فهو يعطيه ويهبه ما ينفقه فيكم ، فقالوا له : إن كان الله اختاره لنا وبعثه ملكا علينا كما زعمت فما علامة ذلك ، وكانت بنو إسرائيل كثيرا ما تطلب الآيات من أنبيائها ، فقال لهم : إن علامة ملكه فيكم أن يرجع إليكم التابوت الذي أخذ منكم ، وتأتي به الملائكة تحمله في الهواء وأنتم تنظرون إليه حتى تنزله في بيت طالوت ، ففرحوا برد التابوت ورضوا بهذه الآية ، فبينما هم جلوس وإذا بالتابوت بين السماء والأرض تحمله الملائكة وهم ينظرون إليه ، حتى نزلت به الملائكة في بيت طالوت ، وكان في التابوت صورة يقال لها السكينة ، لها رأس كرأس الهر ووجه كوجه الإنسان وجناحان ، فإذا لقوا العدو نظروا إليها وهي في التابوت ، فإذا أنّت وصوتت وفتحت جناحيها أيقنوا بالنصر ، وسار التابوت بحركتها قدما تجاه العدو ، وسار الجيش خلف التابوت ، فيدبر عدوهم منهزما ، فلما رأت بنو إسرائيل التابوت قد نزل عند طالوت علموا أن الله قد أعطاه الملك عليهم ، فسمعوا له وأطاعوا واجتمعوا عليه ، فخرج بهم يطلب جالوت ، وكان عدوهم بين فلسطين وديار مصر ، وكان من عبدة الأوثان ، فلما جاء الغور وكان زمان قيظ واشتد عليهم الحر ، وأخذهم العطش ، أخرج الله لهم نهرا من بحيرة طبرية يجري مع طول الغور إلى أن يصب في بحيرة لوط ، يقال له الأردن ، فقال لهم طالوت : إن الله يختبركم بهذا النهر مع عطشكم ، فمن لم يطعمه صحبني وكان معي ، ومن شرب منه وأخذ منه فوق حاجته فليس يتبعني ولا يكون معي ، إلا من أخذ منه قدر الحاجة ، وهي الغرفة بيده ليسد بها رمقه إذا خاف الهلاك من العطش ، فشرب منه كل من تولى حين فرض عليهم القتال ، ولم يشرب منه الثلاثمائة والثلاثة عشر ، فلما جاوز النهر طالوت وعسكره ولحقوا بجالوت وعسكره ، قال أصحاب طالوت الذين شربوا من النهر : لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ، لما رأوه من العدة والعدد ، فقال الثلاثمائة والثلاثة عشر : لا تقولوا هكذا فإن النصر من عند الله ، ما هو بكثرة الجموع ، فكم رأينا وسمعنا من جماعة قليلة ضعيفة في العدة والعدد هزمت بإذن الله ـ لما ثبتت وصبرت ـ جماعة كثيرة قوية في العدة والعدد ، والله مع من يثبت في الحرب ، ولا يبرح معين له وناصر ، وكان طالوت لما بشره شمويل بالملك قال له : إني أعطيك درعا يكون معك ، تخلعه على قاتل جالوت ، وتزوجه بنتك وتعطيه نصف ملكك ، وإن هذا الدرع لا يلبسه ويكون على قده إلا قاتل جالوت ، وهذه علامة لك على ذلك ، وكان داود عليه