ما يظهر عن النظر بل عن استعداد القابل ، فلا يعلم الأمور على التفصيل إلا الله وحده ، فإن الله ستر العلوم والأسرار الراجعة إليه تعالى وإلى أسمائه وإلى العالم عن الخلق كلهم بالمجموع ، فلا يعلم المجموع ولا يعلم واحد من الخلق ، لكن له العلم بالآحاد ، فعند واحد ما ليس عند الآخر ، فهو بالمجموع حاصل لا حاصل ، فهو حاصل في المجموع غير حاصل عند واحد ، وهو قوله : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) فجاء بباء التبعيض ، فعند واحد من العلم ما ليس عند الآخر (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) قال بعض أهل المعاني يريد العلم ، ونقلوه لغة ، فإن الكرسي لغة عبارة عن العلم ، أي وسع علمه (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) إلا أنه في هذه الآية ليس إلا جسم محسوس ، هو في العرش كحلقة ملقاة في فلاة ، فهو مخلوق فوق السموات ودون العرش ، وهو محصور موجود متناهي الأجزاء ، وهو موضع القدمين الواردتين في الخبر كالعرش لاستواء الرحمن ، وله ملائكة قائمون به ، والمراد بالسموات والأرض من العلو والسفل (وَلا يَؤُدُهُ) يثقله (حِفْظُهُما) يعني السموات وهم العالم الأعلى ، والأرض وهم العالم الأسفل ، وما ثمّ إلا أعلى وأسفل ، فوصف الحق نفسه بأنه لكل شيء حفيظ ، لأنه حفظ ذاتي معنوي وإمداد غيبي ، وخلق دائم في سفل وعلو (وَهُوَ) ضمير غيب (الْعَلِيُّ) بغناه عن خلقه من ذاته ، فإن أعلى الموجودات وأعظمها من وجب له الوجود لنفسه استقلالا ، وكان له الغنى صفة ذاتية لم يفتقر إلى غيره ، وكان بالاسم (الْعَلِيُّ) أولى وأحق (الْعَظِيمُ) في قلوب العارفين بجلاله فله الهيبة فيها ، والعظمة حال المعظّم اسم فاعل ، لا حال المعظّم اسم مفعول ، إلا أن يكون الشيء يعظم عنده ذاته فعند ذلك تكون العظمة حال المعظم لأن المعظم اسم فاعل ما عظمت عنده إلا نفسه ، فهو من كونه معظما نفسه كانت الحال صفته ، وما عظم سوى نفسه ، فالعظمة حال نفسه ، وعظمة الحق في القلوب لا توجبها إلا المعرفة في قلوب المؤمنين ، وهي من آثار الأسماء الإلهية ، فإن الأمر يعظم بقدر ما ينسب إلى هذه الذات المعظمة من نفوذ الاقتدار ، وكونها تفعل ما تريد ، ولا راد لحكمها ، ولا يقف شيء لأمرها ، فبالضرورة تعظم في قلب العارف بهذه الأمور ، وهي العظمة الأولى الحاصلة لمن حصلت عنده من الإيمان ، والمرتبة الثانية من العظمة هو ما يعطيه التجلي في قلوب أهل الشهود ، بمجرد التجلي تحصل العظمة في نفس من يشاهده ، وهذه العظمة الذاتية ولا تحصل إلا لمن شاهده به لا بنفسه ، وهو الذي يكون الحق بصره ،