ولا أعظم من الحق عند نفسه ، فلا أعظم من الحق عند من يشهده في تجليه ببصر الحق لا ببصره ، فما أحسن ما جاء هذا الاسم ، حيث جاء في كلام الله ببنية فعيل فقال : «عظيم» وهي ببنية لها وجه إلى الفاعل ، ووجه إلى المفعول ، ولما كان الحق عظيما عند نفسه ، كان هو المعظم والمعظم ، فأتى بلفظ يجمع الوجهين.
علا الحق في الإدراك عن كل حادث |
|
وهل يدرك التنزيه ما قيد الطبع |
علاه بها عقلا وليس بذاته |
|
وليس لمخلوق على حمله وسع |
عظيم على من؟ أو جليل من أجل من؟ |
|
تعالى فلا فطر لديه ولا صدع |
وآية الكرسي آية ذكر الله فيها ما بين اسم ظاهر ومضمر في ستة عشر موضعا ، لا تجد ذلك في غيرها من الآيات ، منها خمسة أسماء ظاهرة الله الحي القيوم العلي العظيم ، ومنها تسعة ضميرها ظاهر ، فهي مضمرة في الظاهر ، ومنها اثنان مضمران في الباطن لا عين لها في الظاهر ، وهما ضمير العلم والمشيئة ، وكذلك علمه ومشيئته لا يعلمها إلا هو ، فلا يعلم أحد ما في علمه ولا ما في مشيئته إلا بعد ظهور المعلوم بوقوع المراد لا غير ، فلذلك لم يظهر الضمير فيها ، ومعلوم عند الخاص والعام أن ثمّ اسما عاما يسمى الاسم الأعظم يعمل بالخاصية ، وهو في آية الكرسي وأول سورة آل عمران ، ومع علم النبي عليهالسلام به ما دعا به تأدبا بالأدب الإلهي ، لأنه صلىاللهعليهوسلم لا يعلم ما في نفس الله ، فلعل الذي يدعو فيه ما له فيه خيرة ، فعدل الأنبياء عليهمالسلام إلى الدعاء فيما يريدون من الله بغير الاسم الخاص بذلك ، فإن كان لله في علمه فيه رضى وللداعي فيه خيرة أجاب في عين ما سئل فيه ، وإن لم يكن عوّض الداعي درجات أو تكفيرا في السيئات ، فلهذا ما دعا به صلىاللهعليهوسلم ، ولو دعا به أجابه الله في عين ما سأل فيه ، وعلم الله في الأشياء لا يبطل ، فلهذا أدب الله أهله ـ بحث في الكرسي ـ الكرسي على شكل العرش في التربيع لا في القوائم ، وهو في العرش كحلقة ملقاة ، ومقعره على الماء الجامد ، وفي جوف هذا الكرسي جميع المخلوقات من سماء وأركان ، هي فيه كهو في العرش سواء ، وله ملائكة من المقسمات ، والجسم المسمى الكرسي تدلت إليه القدمان فهو موضعهما ، وفيه انقسمت الكلمة الرحمانية الواحدة التي هي في العرش أحدية الكلمة ، إلى رحمة وغضب مشوب برحمة ، فإنه لما تدلت القدمان