أنا حي عند حي لم يحاسبني بشيء» قال فرجع الأستاذ إلى بيته ولزم فراشه مريضا مما أثر فيه حال الفتى فلحق به ، فمن قرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) على قراءة الشاب فقد قرأ ـ نصيحة ـ إذا كان الله المعين فلا تبال فإنه لا يقاومه شيء ، بل هو القادر على كل شيء ، فما ثم مع الإعانة الإلهية قوة تقاوى قوة الحق ، فإن الله يقول فيمن سأله الإعانة «ولعبدي ما سأل» في الخبر الصحيح ، فإذا قال العبد (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) يقول الله : هذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، وإذا قال (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) إلى آخر السورة ـ وهدايته من معونته ـ يقول الله : هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل ، وخبره صدق وقد قال : ولعبدي ما سأل ، فلا بد من إعانته. ولكن هنا شرط لا يغفل عنه العالم إذا تلا مثل هذا لا يتلوه حكاية ، فإن ذلك لا ينفعه فيما ذهبنا إليه ، وفيما أريد له وإنما الله تعالى ما شرع له أن يقرأ القرآن ويذكره بهذا الذكر إلا ليعلمه كيف يذكره ، فيذكره ذكر طلب واضطرار وافتقار وحضور في طلبه من ربه ما شرع له أن يطلبه ، فذلك هو الذي يجيبه الحق إذا سأله ، فإن تلا حكاية فما هو سائل ، وإذا لم يسأل وحكى السؤال فإن الحق لا يجيب من هذه صفته ، ولا جرم أن التالين الغالب عليهم الحكاية لا ثمرة عندهم ، فهم يقرؤون القرآن بألسنتهم لا يجاوز تراقيهم ، وقلوبهم لاهية في حال التلاوة وفي حال سماعه ، فالمؤمن المخلوق يستعين بالمؤمن الخالق ، فيشد منه ويقوي ما ضعف عنه من كونه مخلوقا. إشارة : ما أحسن الإشارة في كون الله ما ختم القرآن العظيم الذي هو الفاتحة إلا بأهل الحيرة وهو قوله (وَلَا الضَّالِّينَ) والضلالة الحيرة ، ثم شرع عقيبها آمين أي أمنا بما سألناك فيه ، فإن غير المغضوب عليهم ولا الضالين نعت للذين أنعمت عليهم ، وهو نعت تنزيه ، ومن علم أن الغاية هي الحيرة فما حار ، بل هو على نور من ربه ، إذ الحيرة هي الانتهاء وما بيد العالم بالله من العلم بالله سواها ـ (راجع معنى الحيرة في كتابنا الرد على ابن تيمية ص ٥٠ ـ ومعنى الضالين في كتابنا شرح كلمات الصوفية ص ٤٠٢) إشارة : في قسمة الفاتحة ، العبودية الواضحة ، واختصت الرحمة بالثنا ، ليتبين من أنت (الحق) ومن أنا ، والملك بالتمجيد ، لتصحيح التوحيد ، ووقع الشرك في العبادة والعون ، لتتميز القدرة من عجز الكون ، واختص العبد بنصفها الثاني ، ليصح عليها اسم المثاني ، فإن قلت قد ساوى موسى لمحمد في الفرقان فكيف
____________________________________
لأنه قد تقدم.