في الأرواح التي بين الطبيعة والعماء ـ نصيحة ـ كل إنسان أعلم بحاله ، ولا ينفعك أن تنزل نفسك عند الناس منزلة ليست لك في نفس الأمر ، فإن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٦)
(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ) لكونها مظلمة ، تمدح بإدراك الأشياء فيها ، ويصورنا في الأرحام من غير مباشرة ، وأضاف التصوير إليه لا إلى غيره (كَيْفَ يَشاءُ) أي كيف أراد من أنواع الصور والتصوير (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ) أي المنيع الذي نسب لنفسه الصورة ، لا عن تصوير ولا تصور ، فهو المصور لا الملك ، مع العزة التي تليق بجلاله (الْحَكِيمُ) المرتب الأشياء التي أنزلت منازلها بما تعطيه الاستعدادات المسواة لقبول الصور ، فيعين لها من الصور ما شاء مما قد علم أنها مناسبة له ، وهذا هو التوحيد الرابع ، توحيد المشيئة ، ووصف الهوية بالعزة ، وهو قوله (وَلَمْ يُولَدْ) فهو عزيز الحمى ، إذ كان هو الذي صورنا في الأرحام من غير مباشرة ، إذ لو باشر لضمه الرحم كما يضم القابل للصورة ، ولو لم يكن هو المصور لما صدقت هذه النسبة ، وهو الصادق ، فإنه ما أضاف التصوير إلى غيره ، فقال (كَيْفَ يَشاءُ) أي كيف أراد ، فظهر في هذه الكيفية أن مشيئته تقبل الكيفية ، مع نعته بالعزة ثم بالحكمة ، والحكيم هو المرتب الأشياء أي أنزلت منازلها ، فالتصوير يستدعيه إذ كان هو المصور مع العزة التي تليق بجلاله ، فحيّر العقول السليمة التي تعرف جلاله ـ تفسير من باب الإشارة ـ (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) ما أحسن تنبيه الله أولي الألباب من عباده وأهل الاعتبار بهذه الآية ، فمن الأرحام ما يكون خيالا ، فيصور فيه المتخيلات كيف يشاء ، عن نكاح معنوي وحمل معنوي ، يفتح الله في ذلك الرحم المعاني في أي صورة ما شاء ركبها ، فيريك الإسلام فيه والقرآن سمنا وعسلا ، والقيد ثباتا في الدين ، والدين قميصا سابغا وقصيرا درعا ومجولا ونقيا ودنسا على حسب ما يكون الرائي ، أو من يرى له عليه من الدين ، فالخيال من جملة الأرحام التي تظهر فيها الصور.
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ