علما لكون المخبر هو الله ، فقال (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الصحيح [من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة] ولم يقل هنا يؤمن ، فإن الإيمان موقوف على الخبر ، وقد علمنا أن لله عبادا كانوا في فترات ، وهم موحدون علما ، وما كانت دعوة الرسل قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عامة ، فيلزم أهل كل زمان الإيمان ، فعمّ بهذا الكلام جميع العلماء بتوحيد الله ، المؤمن منهم من حيث ما هو عالم به من جهة الخبر الصدق الذي يفيد العلم لا من جهة الإيمان ، وغير المؤمن ، فالإيمان لا يصح وجوده إلا بعد مجيء الرسول ، فإذا جاء الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وبين يديه العلماء بالله وغير العلماء بالله ، وقال للجميع : قولوا لا إله إلا الله ، علمنا على القطع ، أنه صلىاللهعليهوسلم في ذلك القول معلم لمن لا علم له بتوحيد الله من المشركين ، وعلمنا أنه في ذلك القول أيضا معلم للعلماء بالله ، وتوحيده أن التلفظ به واجب ، وأنه العاصم لهم من سفك دمائهم وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم ، ولهذا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله] فالحكم هنا للقول لا للعلم ، والحكم يوم تبلى السرائر في هذا العلم لا للقول ، فأعلم العلماء بالله بعد ملائكة الله رسل الله وأولياؤه ، ثمّ العلماء بالله بالأدلة ومن دونهم. (قائِماً بِالْقِسْطِ) فوصف الحق نفسه في هذا التوحيد أنه قائم بالقسط ، أي بإقامة الوزن ، أي بالعدل فيما فصل به بين الشهادتين ، فشهد لنفسه بتوحيده وشهد لملائكته وأولي العلم أنهم شهدوا له بالتوحيد ، وهذا من باب قيامه بالقسط ، وهو من باب فضل من أتى بالشهادة قبل أن يسألها ، فإن الله شهد لعباده أنهم شهدوا بتوحيده قبل أن يسأل منه عباده ذلك ، وهذا هو التوحيد الخامس في القرآن ، وهو قوله تعالى (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وهو توحيد الهوية ، والشهادة على الاسم المقسط ، وهو العدل في العالم بإعطاء كل شيء خلقه ، فوصف نفسه بإقامة الوزن في التوحيد ، أعني توحيد الشهادة بالقيام بالقسط ، وجعل ذلك للهوية ، وكان الله الشاهد على ذلك من حيث أسماؤه كلها ، فإنه عطف بالكثرة وهو قوله (وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) ، فعلمنا حيث ذكر الله ، ولم يعين اسما خاصا أنه أراد جميع الأسماء الإلهية التي يطلبها العالم بالقسط ، إذ لا يزن على نفسه ، فلم يدخل تحت هذا إلا ما يدخل في الوزن ، فهذا توحيد القسط في إعطاء الحق في هذه الشهادة ، فإنه قال بعد قوله (قائِماً بِالْقِسْطِ)(لا إِلهَ إِلَّا