عدا هذا الوصف فإنه يشارك فيه ، (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) أي انقدت لأمره ـ (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) فإن المبلغ عن الله لا يصح منه الندم على فعل ما يجب عليه فعله ، لضرر قام به أو شفقة على من لم يسمع حيث زاد في شقائه لما أعلمه حين لم يصغ إلى ذلك.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (٢١)
إن الله ما عصم من بلاء الدنيا ، فإن الأنبياء مع طاعتهم لله وحضورهم معه لا يأمنون أن يصيب الله عامة عباده بشيء فيعم الصالح والطالح ، لأن الدنيا دار بلاء ؛ قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) وهم ورثة الأنبياء الذين يدعون على بصيرة من الله كما دعا الرسل ، لأنهم المجاهدون الذين اختاروا لأنفسهم أن يظهروا الحق والدين ، حتى يموتوا مجاهدين ، فشرك الله بينهم وبين الأنبياء في المحنة وما ابتلوا به ، وذكر الله ذلك في معرض الثناء على المقتولين ، وذم الذين لم يصغوا إلى ما بلغ الرسول ولا الوارث إليهم ، فالنصيحة لعباد الله واجبة على كل مؤمن بالله ، ولا يبالي ما يطرأ عليه من الذي ينصحه من الضرر ، فإن الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، فلا يصرفنك عن ذلك صارف ، ولا تظهر الندم على ذلك ، فإن المخبر عن الله لا يرى في باطنه إلا النور الساطع ، سواء قبل قوله أو ردّ أو أذي. (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) من جملة الخطابات الإلهية البشارات ، وهي على قسمين : بشارة بما يسوء ، مثل قوله تعالى (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) وبشارة بما يسر ، مثل قوله تعالى (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) فكل خبر يؤثر وروده في بشرة الإنسان الظاهرة فهو خبر بشرى ، فالبشرى لا تختص بالسعداء في الظاهر ، وإن كانت مختصة بالخير ، والكلام على هذه البشرى لغة وعرفا ، فأما البشرى من طريق العرف فالمفهوم منها الخير ولا بد ، ولما كان هذا الشقي ينتظر البشرى في زعمه لكونه يتخيل أنه على الحق ، قيل بشره لانتظاره البشرى ، ولكن كانت البشرى له بعذاب أليم ، وأما من طريق اللغة فهو أن يقال له : ما يؤثر في بشرته ،