(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٦)
لما كانت عبوديتنا لله يستحيل رفعها وعتقها ، لأنها صفة ذاتية له ، واستحال العتق منها ، نبه تعالى على ذلك بقوله (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) فسماه ملكا ليصح له اسم المالك ، ولم يقل مالك العالم. (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) فإنه الربّ ، فله السيادة ، والعبد المربوب ـ وجه ـ (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) وأي ملك أعظم من العلم (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) وهو ما أعطاه من العلم للمؤمن المقلد الجاهل ، السعيد في الدار الآخرة (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) وأي ملك أفضل من العلم فينزعه من العالم غير المؤمن الذي هو من أهل النار (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) بذلك العلم (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) بانتزاع ذلك العلم منه (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) لما كان هو الخير المحض ، فإنه الوجود الخالص المحض الذي لم يكن عن عدم ولا إمكان عدم ولا شبهة عدم ، كان الخير كله بيديه ، فلا يضاف إليه عدم الخير الذي هو الشر ، فإنه لا ينبغي لجلاله : (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ولم يضف الشر إليه ، وهو الحكيم الخبير ـ تحقيق ـ يتخيل أن المشيئة هنا ضميرها الرحمن ، وما ضميرها إلا من ، وهو عين الأكوان ، لأنّا قد قررنا أن الذي كانوا عليه في ثبوتهم هو عين القضاء ، من حيث أن العلم تابع للمعلوم ، فالكون أعطاه العزل والولاية ، والعز والذل ، والرشد والغواية ، فحكم عليه بما أعطاه ، فما قسط ولا جار ، فإنه نعم الحاكم والجار.
(تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢٧) لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) (٢٨)