جنسهم ولهم أسماء من حيث هم ، وهم عوالم ولكل عالم رسول من جنسهم ، ولهم شريعة تعبدوا بها ، ولهم لطائف وكثائف ، وعليهم من الخطاب الأمر ليس عندهم نهي ، وفيهم عامة وخاصة وخاصة الخاصة وصفاء خلاصة خاصة الخاصة ، وحروف أوائل السور من الخاصة التي فوق العامة ، ولا يعرف حقيقة مبادئ السور المجهولة ، الا أهل الصور المعقولة [هم الذين لهم حظ من خلق الله آدم على صورته ، وهم الذين وصلوا مرتبة الكمال والخلافة] وجعل تبارك وتعالى أوائل السور تسعا وعشرين سورة ، وهو كمال الصورة ، كما قدر منازل القمر ، وجعل الحروف على تكرارها ثمانية وسبعين حرفا ، فلا يكمل عبد أسرار الإيمان حتى يعلم حقائق هذه الحروف في سورها. قال عليهالسلام : «والإيمان بضع وسبعون شعبة» كما أنه إذا علمها من غير تكرار علم تنبيه الله فيها على حقيقة الإيجاد وتفرد القديم سبحانه بصفاته الأزلية ، ثم إنه سبحانه جعل أولها الألف في الخط ، والهمزة في اللفظ ، وآخرها النون ، فالألف لوجود الذات على كمالها لأنها غير مفتقرة إلى حركة ، والنون لوجود الشطر من العالم وهو عالم التركيب ، وذلك نصف الدائرة الظاهرة لنا من الفلك ، والنصف الآخر النون المعقولة عليها ، التي لو ظهرت للحس وانتقلت من عالم الروح لكانت دائرة محيطة ، ولكن أخفى هذه النون الروحانية ـ التي بها كمال الوجود ـ وجعلت نقطة النون المحسوسة دالة عليها ، فالألف كاملة من جميع وجوهها والنون ناقصة ، وجعلت هذه الحروف على أفراد في بعض السور مثل «ص ، ق ، ن» وثنيت في «طس ، طه» وأخواتها ، وجمعت في ثلاثة فصاعدا حتى بلغت خمسة حروف متصلة ومنفصلة ولم تبلغ أكثر ، ولا يعرف هذا العلم الا أولياء الله تعالى كشفا ، وسماه الحكيم الترمذي علم الأولياء.
____________________________________
قوله (الم) وقع النطق بأسماء هذه الحروف المعينة على طريق البناء على السكون الذي هو الثبوت ، فلا يتغير ، وأما ما تدل عليه فلا يعرف ذلك على الحقيقة إلا من جانب الحق ، وليس هذا مما يدرك بالرأي ، وكل ما قيل فيه فليس بمرضي ، ولا يفيد علما ، وكلام الله لا ينبغي أن يترجم بالحدس ولا بالظن والتخمين ، والعرب لا تعرفه ، وكل ما ذكره المفسرون في ذلك ونسبوه للعرب فلا يشبه هذا إذا حققته ، وكان سبب نزول هذه الحروف أن الكفار قالوا (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) فكانوا إذا رأوا النبي صلىاللهعليهوسلم يوحى إليه يكثرون اللغط ، فلما سمعوا التلفظ بأسماء حروف المعجم ، أرادوا أن يعرفوا ما أريد بها ، عساه يفسر ذكرها ما يدل على المراد بها ، فيسكتون وتتوفر