ذكره صفة نقص تدل على خلاف ما خلق له
(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) (٤١)
اعلم أن الأمر ظهر من بطون وبالعكس ، ومتى قوي الظاهر نقص الباطن ، وبالعكس ، فالظاهر مؤثر في الباطن محيل للمستمد منه إليه ، وبالعكس ، كل ذلك بإذن الله ، ولذلك أمر الله تعالى زكريا عليهالسلام بصمت ثلاثة أيام وأن يأمر قومه بالذكر بكرة وعشية ، ليسوي بذلك ظاهره مع وجود باطنه ، فيحيى ، ويستعين بذكر قومه لمناسبتهم إياه ، إذ كانوا لا يصلحون للصمت ، فالذكر أولى بهم لأنه كان شيخا كبيرا فانيا ، وامرأته عاقرا ، فأصلحها الله له بوجود الحيض ، واستثنى من الكلام الرمز ، والأثر موجود من الإشارة والرمز كما هو موجود من نظم الحروف في النطق ، والرمز إشارة بكلام لا يفهمه إلا المرادون به ، فإنه الكلام الذي يعطي ظاهره ما لم يقصده قائله ، فإن الرموز ليست مرادة لأنفسها ، وإنما هي مرادة لما رمزت له ، ومواضعها في القرآن آيات الاعتبار كلها ، وكذلك الإشارة والإيماء ، فالرمز ما يقع بالإشارة ، فإن الإشارة صريحة في الأمر المطلوب ، بل هي أقوى في التعريف من التلفظ باسم المشار إليه في مواطن يحتاج الكلام فيها إلى قرينة حال ، والنكر والحرف إنما هو لفظ مجمل يحتمل التوجيه فيه إلى أمور مثل ما رمز الشاعر في التعريف بالنار من غير أن يسميها فقال :
وطائرة تطير بلا جناح |
|
وتأكل في المساء وفي الصباح |
إلى قوله :
إذا ماتت تجارح والداها |
|
فترجع حية عند الجراح |
يريد بالوالدين الزناد ، فهذا هو الرمز في النار ، وقال الآخر في العين
وطائرة تطير بلا جناح |
|
تفوق الطائرين ولا تطير |
إذا ما مسها الحجر استكنت |
|
وتنكر أن يلامسها الحرير |