يريد بالحجر الإثمد ـ إشارة ـ المنزّه لا ينزّه ، فإنه إن نزّه فقد نزّه عن التنزيه ، فإنه ماله نعت إلا هو فيشبه ، فسبحه على الحكاية ـ فإنه سبح نفسه ـ وعلى ما أراد بذلك ، فهو تسبيح الأدباء العارفين به سبحانه :
(وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) (٤٢)
(اصْطَفاكِ) ليظهر فيك الولد بالتوجه الإلهي في عين الرائي ، كجبريل تمثل لمريم بشرا سويا ، فقال لها (إنما أن رسول ربك) جئتك (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا).
(يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٤٥)
لما كان الولد لا يدعى إلا لأبيه ، لا ينسب إلى أمه ، لأن الأب له الدرجة من قوله تعالى (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) وله العلو فينسب إلى الأشرف ، ولما لم يتمكن لعيسى عليهالسلام أن ينسب إلى من وهبه لها بشرا سويا ، أعطيت أمه الكمال ، وهو المقام الأشرف ، فنسب عيسى إليها ، فقيل : عيسى ابن مريم ، فكان لها هذا الشرف مقام الدرجة التي شرف بها الرجال على النساء ، فنسب الابن لأبيه لأجلها ، وكمال مريم شهد لها بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولآسية امرأة فرعون. (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) القرب من الحق قربان : قرب حقيقي ، وهو ارتباط الرب بالمربوب وارتباط العبادة بالسيادة ، والحادث بالسبب الذي أحدثه ، والقرب الثاني القرب بالطاعة لأمر المكلّف والدخول تحت حكمه ، فالأول قرب ذاتي يعمّ جمع الموجودات ،