بالله العلي العظيم) ـ الوجه الثاني ـ أن العبد يرى ما يستحقه جلال الله من التعظيم ويرى ما لله عليه من الحقوق ، فيجهد نفسه في أداء ذلك ، لأداء حق ما تعين عليه لله وما تعطيه مرتبة العبد من سيدّه.
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٠٣)
حبل الله هو الطريق الذي يعرج بك إليه مثل قوله (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) فليس حبله سوى ما شرعه ، وهو السبب الموصل إلى إدراك السعادة ، فجعل الله بينه وبين عباده حبلا منه إليهم ، وهو الشرع يعتصمون به ويتمسكون ، ليصح الوصلة بينهم وبين الله سبحانه ، فإن الحبل الوصل وبه يكون الاعتصام كما هو بالله فأعطى الحبل منزلته في قوله تعالى (وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ) وتفاضل فهم الناس فيه ، فمنهم ومنهم ، ولذلك فضل الله بعضهم على بعض ، فمن لم يخطئ طريقه فهو المعصوم ، والتمسك به هو الاعتصام ، وعليه حال المؤمنين الذين بلغوا الكمال في الإيمان ، ومثل هؤلاء يعتصمون بالله في اعتصامهم بحبل الله ، ثم قال (جَمِيعاً) فإن الأمر الشديد على الواحد إذا انقسم على الجماعة هان ، فأمر الجماعة بالاعتصام به حتى يهون عليهم ، فقال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) فأمر الجماعة بالاعتصام بحبل الله ، وهو عهده ودينه المشروع فينا الذي لا يتمكن لكل واحد منا على الانفراد الوفاء به فيحصل بالمجموع لاختلاف أحوال المخاطبين. (وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لأصحابه من الأنصار في واقعة وقعت في فتح مكة في غزوة حنين ، فقال لهم : [ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي] فذكر نفسه [ووجدتكم على شفا حفرة من النار فأنقذكم الله بي] وهذا معنى وأصل قول الناس هذا ببركة فلان ، وهذا بهمة فلان ، ولولا همته ما جرى كذا وما دفع الله عنا كذا ، وقولهم اجعلني في خاطرك وفي همتك ولا تنساني وأشباه