ثم شهد الحق في القرآن وعرّف بفضل هذه الأمة المحمدية على سائر الأمم فقال.
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) (١١٠)
إذا حملنا قوله تعالى (أُمَّةٍ) على أمة الدعوة لا أمة الإجابة ، كان المؤمن بإيمانه والكافر منهم بكفره هما خير من كل مؤمن من غير هذه الأمة وكافر ، أي مؤمن هذه الأمة خير من مؤمن غيرها من الأمم ، وكافر هذه الأمة خير من كافر غيرها من الأمم ـ الوجه الثاني ـ إذا حملت الأمة على أمة الإجابة كانت الأمة المحمدية المتأخرة المنعوتة بالخيرية على جميع الأمم السالفة مؤمنيهم وكافريهم ، فكافرهم شر من كافري الأمم ، ومؤمنهم خير من مؤمني الأمم ، فلهم التقدم ، كما ورد في الخبر في قريش [إنهم المقدّمون على جميع القبائل في الخير والشر] (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) لظهور رسول الله صلىاللهعليهوسلم بصورته فيها ، وكذلك القرن الذي ظهر فيهم خير القرون لظهوره فيه بنفسه ، وما كنا خير أمة أخرجت للناس ، إلا وكان نبينا صلىاللهعليهوسلم سيد ولد آدم من غير شك ولا التباس ، فهو بنا ونحن به ، وليس خيرا من كل أمة إلا نبيها ونحن خير الأمم ، فنحن والأنبياء في هذه الخيرية في سلك واحد منخرطين ، لأنه ما ثم مرتبة بين النبي وأمته ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم خير من أمته كما كان كل نبي خيرا من أمته ، فهو صلىاللهعليهوسلم خير الأنبياء ، قال صلىاللهعليهوسلم [ليتمنين اثنا عشر نبيا أن يكونوا من أمتي] تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» وإن كانت كل أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ويؤمنون بالله ، فقد خصّت هذه الأمة المحمدية بأمور لم يخص بها أمة من الأمم ، ولها أجور على ما خصصت به من الأعمال مما لم يستعمل فيها غيرهم من الأمم ، فتميزوا بذلك يوم القيامة ، وظهر فضلهم ، والفضل الزيادة ، وبالزيادة كانت خير أمة أخرجت للناس أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، عناية منه تعالى لحضوره صلىاللهعليهوسلم وظهوره فيها ، وإن كان العالم الإنساني والناري كله أمته ، فإنه المرسل إلى الناس كافة ، ولكن لهذه الأمة خصوص وصف ، فجعلهم تعالى خير أمة أخرجت للناس ؛ هذا الفضل أعطاه ظهوره صلىاللهعليهوسلم بنشأتيه ، فكان من فضل هذه الأمة على الأمم أن أنزلها صلىاللهعليهوسلم منزلة خلفائه الأنبياء في العالم قبل ظهوره ، إذ كان أعطاهم