يقول الحق تعالى لأكرم الناس عليه وأتمهم في الشهود وأعلاهم في الوجود (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) فإن الأمر يكون عنه التكوين ، والتكوين للحق لا له ، فما أراده كان ، فأفلسه الحق حتى لا يخرج عن حقيقته.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (١٣٣)
(وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) وهي العبادة ، فالمسارعة هي المبادرة إلى الصلاة مثلا بالتأهب المعتاد قبل دخول وقتها ، فيأتيها بسكينة ووقار ، فيجمع بين المسارعة والسكينة ، فمن سارع إليها فقد سارع إلى المغفرة ، وإنما أمر العبد بالمسارعة إلى الخيرات لتصرفه في المباحات لا غير ، فمن كانت حالته أن لا يتصرف في مباح ، فهو في خير على كل حال ـ تفسير من باب الإشارة ـ. (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) المسارعة في الخير وإليه ، والمغفرة لا ترد إلا على ذنب ، وإن كانت في وقت تستر العبد عن أن تصيبه الذنوب ، وهو المعصوم والمحفوظ ، فلها الحكمان في العبد ، محو الذنب بالستر عن العقوبة أو العصمة والحفظ ، ولا ترد على تائب ، فإن التائب لا ذنب له ، إذ التوبة أزالته ، فما ترد المغفرة إلا على المذنبين في حال كونهم مذنبين غير تائبين ، فهناك يظهر حكمها. وهذا ذوق لم يطرق قلبك مثله قبل هذا ، وهو من أسرار الله في عباده الخفية ، من حكم أسمائه الحسنى ، ومثل هذا يسمى التضمين ، فإنه أمر بالمسابقة إلى المغفرة ، وما أمر بالمسابقة إلى الذنب ، ولما كان العفو والغفران يطلب الذنب ، وهو مأمور بالمسابقة إلى المغفرة ، فهو مأمور بما له يكون ليظهر حكمها ، فما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب ، ولكن من حيث