في حقه وفي حق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فعلم محمد صلىاللهعليهوسلم أن أبا بكر الصديق مع من دعاه إليه ، وهو الله تعالى ، ليس معه إلا بحكم أنه يرى ما يخاطبه الحق سبحانه على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم في كل خطاب يسمعه منه ، بل من جميع من يخاطبه ، وقد علّمه الحق في نفسه ميزان ما يقبل من خطابه وما يرد ، فكان أبو بكر رضي الله عنه أحكم أولياء الله في مقام الرضا والاستسلام والتفويض والصبر والاعتماد على الله ، فإنه رضي الله عنه ما ظهر قط عليه مما كان عليه في باطنه من المعرفة شيء لقوته إلا يوم مات رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذهلت الجماعة ، وقالوا ما حكي عنهم إلا الصديق ، فإن الله تعالى وفقه لإظهار القوة التي أعطاه ، لكون الله أهله دون الجماعة للإمامة والتقدم ، والإمام لا بد أن يكون صاحيا ، لا يكون سكرانا ، فقامت له تلك القوة في الدلالة على أن الله قد جعله مقدّم الجماعة في الخلافة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أمته ، كالمعجزة للنبي صلىاللهعليهوسلم في الدلالة على نبوته ، فلم يتقدم ولا حصل الأمر له إلا عن طوع من جماعة وكره من آخرين ، وذلك ليس نقصا في إمامته ، ومن كره إمامته من الصحابة رضي الله عنهم ، ما كان عن هوى نفس ، نحاشيهم من ذلك على طريق حسن الظن بالجماعة ، ولكن كان لشبهة قامت عندهم ، رأى من رأى أنه أحق بها منه في رأيه ، وما أعطته شبهته لا في علم الله ، فإن الله قد سبق علمه بأن يجعله خليفة في الأرض ، وكذلك عمر وعثمان وعلي والحسن ، ولو تقدم غير أبي بكر لمات أبو بكر في خلافة من تقدمه ، ولا بد في علم الله أن يكون خليفة ، فتقدمهم بالزمان بأنه أولهم لحوقا بالآخرة ، فكان سبب هذا الترتيب في الخلافة ترتيب أعمارهم ، فلا بد أن يتأخر عنها من يتأخر مفارقته للدنيا ، ليلي الجميع ذلك المنصب ، فكل لها أهل في وقت أهلية الذي قبله ، ولا بد من ولاية كل واحد منهم ، وخلع المتأخر لو تقدم لا بد منه ، حتى يلي من لا بد له عند الله في سابق علمه من الولاية ، فرتب الله الخلافة ترتيب الزمان للأعمار ، حتى لا يقع خلع مع الاستحقاق في كل واحد من متقدم ومتأخر ، وما علم الصحابة ذلك إلا بالموت ، وفضل بعضهم على بعض مصروف إلى الله ، هو العالم بمنازلهم عنده ، فإن المخلوق ما يعلم ما في نفس الخالق إلا ما يعلمه به الخالق سبحانه ، وما أعلم بشيء من ذلك ، فلا يعلم ما في نفسه ، إلا إذا أوجد أمرا ، علمنا أنه لو لا سبق في علم الله كونه ما كان ، فالله يعصمنا من الفضول ، إنه ذو الفضل العظيم ، ومع هذا البيان الإلهي ، فبقي أهل الأهواء في خوضهم يلعبون مع