أرواح الأنبياء عليهمالسلام ، لا من كونها محلّا للملائكة ، فإذا صعقوا بالنفخة ورث الله السماء ، فإن قلت : كيف يرث الله السموات والأرض وهي ملكه؟ قلنا : يرثها الاسم الإلهي الوارث من الأسماء الإلهية التي لها التصرف فيها ، فإذا انقضت مدتها بالحكم فيها ما دامت على هذه الصورة والنظم الخاص وكانت المدبرة لها ، فلما زال تدبيرها وانقضى حكمها الخاص لانقضاء أمد مدة القبول لذلك ، سمى ذلك موتا ، وصارت السموات والأرض ورثا ، فتولاها الاسم الوارث «والله خبير بما تعملون».
(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (١٨١)
لما نزل الله تعالى من مقام غناه عن العالمين إلى طلب القرض من عباده بقوله تعالى : (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) قالت اليهود : إن رب محمد يطلب منا القرض ، وقالت اليهود : (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ) وهو الغني (وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) وهم الفقراء ، فانعكست عندهم القضية ، وهذا من المكر الإلهي الذي لا يشعر به ، فكفرت اليهود فإنهم ليسوا بأغنياء عن الله ولا عن إسباغ النعم عليهم فضلا من الله ومنّة ، فالحق غناه مطلق بالنظر إلى ذاته والخلق مفتقر على الإطلاق بالنظر أيضا إلى ذاته ، فتميز الحق من الخلق ، وهذا التمييز لا يرتفع أبدا لأنه تميز ذاتي في الموصوف به من حق وخلق ، فالحق منفرد بالغنى كما وصف نفسه ، فهو غني نفسه ، ونحن أغنياء به في عين افتقارنا فيما لا نستغني عنه ، فالفقر إلى الله تعالى الذي بيده ملكوت كل شيء ثابت وموجود ، بقوله : (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) أي سنوجب ما قالوه فيما يرجع ضرره عليهم ، أي سيعلمون أن الفقر نعت واجب ، لا يشكون فيه وجوبا ذاتيا من أجل قولهم : (وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) لأنهم انحجبوا عما هو الأمر عليه من فقرهم. (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) ولذلك كانوا كافرين ، فستروا ما هم به عالمون ذوقا من أنفسهم ، لا يقدرون على إنكاره ، ولو باهتوا فالحال يكذبهم في قولهم : (وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) وليسوا بأغنياء وقولهم : (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ) وليس بفقير من حيث ذاته ، فإنه غني عن العالمين ، فألحقهم في العقاب بالكفار ، وهم الذين ستروا ما يجب للحق عليهم من التنزيه ، لذلك