قال في تمام الآية (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) عقوبة لقولهم وفعلهم ، فإن اليهود قالت : (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) أي من أجل فقره طلب القرض منا ، فإن في القرض سد الخلة. وغابوا عن الذي أراده الحق تعالى من ذلك من غاية الوصلة بخلقه ، كما جاء في الصحيح [جعت فلم تطعمني] وهذه الآية تصديق لقوله تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) ـ نصيحة ـ الزم استحضار الفقر في كل نفس وعلى كل حال ، وعلق فقرك بالله مطلقا من غير تعيين ، فهو أولى بك ، وإن لم تقدر على تحصيل عدم التعيين فلا أقل أن تعلقه بالله تعالى مع التعيين ، أوحى الله تعالى إلى موسى : يا موسى لا تجعل غيري موضع حاجتك ، وسلني حتى الملح تلقيه في عجينك.
(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢) الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) (١٨٤)
الزبر معناه الكتابة.
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ) (١٨٥)
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) وهو عزلها عن تدبير هذا الهيكل الطبيعي الذي كانت تدبره في الدنيا في حال إقامتها فيها (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ) الجنة فيها معنى الستر وبذلك سميت جنة ، لأنها ستر عن النار لمن دخل فيها ، (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ).