وحنت إليه لكونه موطنها الذي نشأت فيه ، فحبّ حواء حبّ الموطن ، وحبّ آدم حبّ نفسه ، وصوّر الحق في ذلك الضلع جميع ما صوره وخلقه في جسم آدم ، ولما أقام الحق صورتها وسواها وعدلها نفخ فيها من روحه ، فقامت حية ناطقة ، أنثى ليجعلها محلا للزراعة والحرث لوجود الإنبات الذي هو التناسل ، فالمرأة منفصلة عن الرجل ليحن إليها حنين من ظهرت سيادته بها ، فهو يحبها محبة من أعطاه درجة السيادة وهي تحنّ إليه وتحبه حنين الجزء إلى الكل ، وهو حنين الوطن لأنه وطنها ، مع ما يضاف إلى ذلك من كون كل واحد موضعا لشهوته والتذاذه ، وسكن إليها وسكنت إليه ، وكانت لباسا له وكان لباسا لها ، وسرت الشهوة منه في جميع أجزائه فطلبها ، فلما تغشاها وألقى الماء في الرحم ودار بتلك النطفة من ماء إلى نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظم ، ثم كسا العظم لحما ، فلما أتم نشأته الحيوانية ، أنشأه خلقا آخر فنفخ فيه الروح الإنساني. واعلم أن آدم عليهالسلام خلق من الفردانية ، وأما حواء عليها الصلاة والسلام فمن الوحدانية ، لأن الفرد لم يعلم حتى استيقظ ، وخلقت كاملة على صورتها من حيّ نائم ، كما خلق آدم عليه الصلاة والسلام على صورته من غير مزيد ، فعقل نفسه فيها ، وكانت الشهوة النكاحية في الموضع الذي عمرته حواء حين خرجت ، فإنه ليس في الوجود خلاء ، فأخلت الشهوة الموضع لنزول حواء فيه ، ونزلت بالموضع الذي خرجت منه حواء من آدم فعمر الموضع ، وخرجت الشهوة فيه أقوى مما جرت في حواء ، فإن حواء حكم عليها موضع الشهوة ، فالنساء أغلب على شهواتهن من الرجال ، فإن الشهوة في الرجل بذاتها وفي المرأة بما بقي من آثار رحمتها في موطنها الذي عمرته ، وكانت الشهوة كالثوب على حواء من أجل صورة الموضع ، وفشت الشهوة في آدم ، فعمّتهما جميعا ، لكن بهذا الحكم ، ولهذا تعم شهوة الجماع عند الإنزال جميع البدن ، ولهذا أمر بتطهير جميع البدن ، فإنه فني بكليته في تلك اللحظة ، فأمر بتطهير كليته من ذلك لأجل مناجاة الحق ، فآدم فرد وحواء واحد ، وواحد في الفرد مبطون فيه ، فقوة المرأة من أجل الوحدانية أقوى من قوة الفردانية ، ولهذا تكون المرأة أقوى في ستر المحبة من الرجل ، ولهذا هي أقرب إلى الإجابة وأصفى محلا ، كل ذلك من أجل الوحدانية ، فما نكح آدم سوى نفسه ، فمنه الصاحبة والولد ، والأمر واحد في العدد ، فتبارك الله أحسن الخالقين الذي قال : (وَبَثَّ مِنْهُما) من آدم وحواء (رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) على صورة الزوجين ، وجعلنا مختلفين في عقولنا