(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (٢٩)
إن الذي قتل نفسه ، عظم جرمه لحق الجوار الأقرب ، وحال بذلك بينها وبين ملكها ، وما سوى نفسه فبعيد عن هذا القرب الخاص الذي لنفسه ، فمن قتل نفسه فما قتلها إلا لجهله بما لنفسه عليه من الحق ، والله يقول : إنا لا نصلح منك شيئا أفسدته من نفسك ، فالحقوق وإن عظمت فحق الله أحق ، ويليه حق نفسك ، وما خرج عن هذين الحقين فهيّن الخطب ، ومن قتل نفسه فإنه يصلّى عليه ، لأنه لما أذن الله عزوجل في الشفاعة بالصلاة على الميت ، علمنا أنه عزوجل قد ارتضى ذلك ، وأن السؤال فيه مقبول ، وأخبر أن الذي يقتل نفسه في النار خالدا مخلّدا فيها أبدا ، وأن الجنة عليه حرام ، وما ورد النهي عن الصلاة على من قتل نفسه ، فيحمل ذلك على من قتل نفسه ولم يصلّ عليه ، فيجب على المؤمنين الصلاة على من قتل نفسه لهذا الاحتمال فيقبل الله شفاعة المصلي عليه فيه ، ولا سيما والأخبار والصحاح والأصول تقضي بخروجه من النار ، ويخرج الخبر الوارد بتأبيد الخلود مخرج الزجر ، والحكمة المشار إليها في هذه المسئلة في قوله تعالى : [بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة] ففيه إشارة حقيقية ، فالإشارة يسارعون ، وسابقوا ، ومن تقرّب إليّ شبرا تقربت منه ذراعا ، والموت سبب لقاء الله ، فاستعجل اللقاء فبادر إليه قبل وصوله الحد ، وهو السبب الذي لا تعمل له في لقائه ، فإن كان عن شوق للقاء الحق فإنه يلقاه برفع الحجب ابتداء ، فإنه قال : [حرمت عليه الجنة] والجنة ستر ، أي منعت عنه أن يستر عني ، فإنه بادرني بنفسه ، ولم يقل ذلك على التفصيل ، فحمله على وجه الخير للمؤمن لما يعضده من الأصول أولى ، وأما قوله عليهالسلام فيمن قتل نفسه بحديدة وبسم وبالتردي من الجبل ، فلم يقل في الحديث من المؤمنين ولا من غيرهم ، فتطرق الاحتمال ، وإذا دخل الاحتمال رجعنا إلى الأصول ، فرأينا أن الإيمان قوي السلطان ، لا يتمكن معه الخلود على التأبيد إلى غير نهاية في النار ، فنعلم قطعا أن الشارع أخبر بذلك عن المشركين في تعيين ما يعذبون به أبدا ؛ فقال : [من قتل نفسه بحديدة منهم فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا