عليه اسم الزرنيخ ، فلم تجز الطهارة به بعد المفارقة ، لأن الله ما خلق الإنسان من زرنيخ وإنما خلقه من تراب ، فقال تعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) أي اقصدوا التراب الذي ما فيه ما يمنع من استعماله في هذه العبادة من نجاسة ولم يقل ذلك في طهارة الماء ، فإنه أحال على الماء المطلق لا المضاف ، فإن الماء المضاف مقيّد بما أضيف إليه عند العرب. فإذا قلت للعربي أعطني ماء ، جاء إليك بالماء الذي هو غير مضاف ، ما يفهم العربي منه غير ذلك ، وما أرسل رسول ولا أنزل كتاب إلا بلسان قومه ، فلهذا لم يقل بالقصد في الماء ، فقال : اغسلوا ولم يقل : تيمموا ماء طيبا ، فهنا القصد للصعيد الطيب ، والعمل به تبع يحتاج إلى نية أخرى عند الشروع في الفعل ، كما يفتقر العمل بالماء في الوضوء والغسل وجميع الأعمال المشروعة إلى الإخلاص المأمور به وهو النية. والتيمم عندنا عبادة مستقلة وليست بدلا ، وإنما هي طهارة مشروعة مخصوصة بشروط اعتبرها الشرع. وإنما قلنا مشروعة ، لأنها ليست بطهارة لغوية ، والتيمم عندنا يجوز للمريض والمسافر إذا عدم الماء ، أو عدم استعمال الماء مع وجوده لمرض قام به يخاف أن يزيد به المرض أو يموت ، ولا إعادة عليه. ويجوز للحاضر يعدم الماء ، أن يتيمم ، والذي يجد الماء ويمنعه من الخروج إليه خوف عدو يجوز له التيمم ، والخائف من البرد في استعمال الماء يجوز له التيمم إذا غلب على ظنه أنه يمرض إن استعمل الماء ، وطهارة التيمم تحتاج إلى نية ، والتيمم عبادة ، والإخلاص عين النية ، ومن لم يجد الماء لا يشترط له الطلب. ويشترط دخول الوقت في هذه الطهارة ، وحدّ الأيدي هو أقل ما يسمى به يدا في لغة العرب هو الواجب ، وما زاد على أقل مسمى اليد إلى غايته فذلك له مستحب ، وضربة واحدة تجزي ، وحديث الضربة الواحدة أثبت. والظاهر إيصال التراب إلى أعضاء المتيمم ، وجميع ما يفعل بالوضوء يستباح بالتيمم ، والأولى أنه لا يستباح ، لأن التيمم ليس بدلا من الوضوء ، وإنما هو طهارة أخرى عينها الشارع بشرط خاص ، ويستباح بها أكثر من صلاة واحدة ، والأولى أن لا يستباح ، ويكون التيمم لكل فريضة ، فالدليل في وجوب ذلك أقوى من قياسه على الوضوء ، وإليه أذهب ؛ فإن نص القرآن في ذلك ، وناقض هذه الطهارة هو كل ما ينقض الوضوء والطهر.
ـ إشارة واعتبار ـ الاغتسال هو تعميم طهارة النفس من كل ما أمرت بالطهارة منه وبه ، من الأعمال ظاهرا مما يتعلق بالأعضاء ، وباطنا مما يتعلق بالنفس من مصارف صفاتها ،