ولم يكن له من نفسه إذن من الله تعالى أن يأمر وينهى ، فهو رسول مبلّغ رسالات ربه. وبهذا بان لك الفرقان بين الخليفة والرسول. ولهذا جاء بالألف واللام في قوله تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) ثم قال تعالى : (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وهم الخلفاء ومن استخلفه الإمام من النواب ، فإن الله جعل خليفة عنه في أرضه ، وجعل له الحكم في خلقه ، وشرع له ما يحكم به ، وأعطاه الأحدية ، فشرع أنه من نازعه في رتبته قتل المنازع ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إذا بويع لخليفتين ، فاقتلوا الآخر منهما] وجعل بيده التصرف في بيت المال ، وصرف له النظر عموما ، وجعل الله للخليفة أن يستخلف كما استخلفه الله ، فبأيديهم العطاء والمنع والعقوبة والعفو ، كل ذلك على الميزان المشروع ، فلهم التولية والعزل. وأمرنا الحق بالطاعة له سواء جار علينا أو عدل فينا. والأئمة الذين استنابهم الله ، واستخلفهم على قسمين : قسم يعدلون بصورة حق ولا يتعدون ما شرع لهم ، والقسم الآخر قائلون بما شرع لهم غير أنهم لم يرجعوا ما دعوا إليه في المصارف التي دعاهم الحق إليها ، وجاروا عن الحق في ذلك ، وعلموا أنهم جائرون قاسطون ، فيمهلهم الله لعلهم يرجعون. وقد يقيم الحق منازعا في مقابلته يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، فإن ظهر مثل هذا فقد أوجب الحق على عباده القتال معه والقيام في حقه ونصرته والأخذ على يد الجائر ، ولا يزال الأمر على ذلك حتى يأتي أمر الله وتنفذ كلمة الحق. ـ الوجه الثاني ـ (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وهم العلماء منّا بما أمر الله به ونهى عنه ، وهم الذين قدمهم الله علينا وجعل زمامنا بأيديهم. ولم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقدم في السرايا وغيرها إلا من هو أعلمهم ، وما كان أعلمهم إلّا من كان أكثرهم قرآنا ، فكان يقدمه على الجيش ويجعله أميرا ؛ فقال تعالى : (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أي إذا ولّي عليكم خليفة عن رسولي أو وليتموه من عندكم كما شرع لكم ، فاسمعوا له ، وأطيعوا ولو كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف ، فإنّ في طاعتكم إياه طاعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ولهذا لم يستأنف في (أُولِي الْأَمْرِ) أطيعوا ، واكتفى بقوله (أَطِيعُوا الرَّسُولَ) ولم يكتف بقوله (أَطِيعُوا اللهَ) عن قوله (أَطِيعُوا الرَّسُولَ) ففصل لكونه تعالى ليس كمثله شيء ، واستأنف بقوله (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فهذا دليل على أنه قد شرع له صلىاللهعليهوسلم أن يأمر وينهى ، وليس لأولي الأمر أن يشرّعوا شريعة ، إنما لهم الأمر والنهي فيما هو مباح لهم ولنا ، فإذا أمرونا بمباح أو نهونا عن مباح ، أوجب الله علينا طاعتهم فيما أمروا به ، وما لهم أمر