فينا إلا بما أبيح لنا ؛ فإن أطعناهم في ذلك أجرنا أجر من أطاع الله فيما أوجبه علينا من أمر ونهي ، فإنه ما بقي للأئمة إلا المباح ولا أجر فيه ولا وزر. فإذا أمرك الإمام المقدّم عليك الذي بايعته على السمع والطاعة بأمر من المباحات ، وجب عليك طاعته في ذلك ، وحرمت مخالفته ، وصار حكم ذلك الذي كان مباحا واجبا ؛ فنزل الإمام منزلة الشارع بأمر الشارع ؛ ومن أنزله الحق منزلته في الحكم تعيّن اتباعه. وعصيان أولي الأمر من معصية الله ، فإن في عصيانهم عصيان أمر الله ، وليس في عصيان الله عصيانهم إلا في الرسول خاصة ، فإن في عصيان الله عصيان رسول الله ، إذ متعلق المعصية الأمر والنهي ، ولا يعرف ذلك إلا بتبليغ الرسول وعلى لسانه. فطاعة السلطان واجبة ، فإن السلطان بمنزلة أمر الله المشروع ؛ من أطاعه نجا ، ومن عصاه هلك (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ) حكما (وَإِلَى الرَّسُولِ) عينا ، فننظر ما اختلفوا فيه وتنازعوا ، فإن كان لله أو لرسوله حكم فيه يعضد قول أحد المخالفين جعلنا الحق بيده ، فإنا أمرنا إن تنازعنا في شيء ، أن نرده إلى الله ورسوله ، إن كنا مؤمنين ، فإن كنا عالمين ممن يدعو إلى الله على بصيرة ، وعلى بينة من ربنا ، فنحكم في المسئلة بالعلم ، وهو رد إلى الله تعالى من غير طريق الإيمان ، وليس لنا العدول عنه البتة ـ إشارة ـ من اتبع الخليفة أمن من كل خيفة ، وصارت الأسرار به مطيفة ، وحصل بالرتبة المنيفة ـ يريد الاتباع الذي يورث العصمة ـ تفسير من باب الإشارة ـ (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) من كان الحق سمعه وبصره ويده ولسانه هم أصحاب الأمر على الحقيقة ، فهم الذين لا يقف لأمرهم شيء ، لأنهم بالله يأمرون كما به يسمعون كما به يبصرون ، فإذا قالوا لشيء : كن فإنه يكون ، لأنهم به يتكلمون ـ تحقيق ـ نحن اليوم أبعد في المعصية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم من أصحابه إلى من دونهم إلينا. فنحن ما عصينا إلا أولي أمرنا في وقتنا ، وهم العلماء منا بما أمر الله به ونهى عنه. فنحن أقل مؤاخذة وأعظم أجرا ، لأن للواحد منا أجر خمسين ممن يعمل بعمل الصحابة. يقول صلىاللهعليهوسلم : [للواحد منهم أجر خمسين يعملون مثل عملكم] فاجعل بالك لكونه لم يقل منكم ، قال الله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فذكر الله تعالى ، وذكر الرسول ، وذكرنا ، أعني أولي الأمر منا ، وهم الذين قدمهم الله علينا وجعل زمامنا بأيديهم.