(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٦٩)
الأنبياء على نوعين : أنبياء تشريع وأنبياء لا تشريع لهم ، وأنبياء التشريع على قسمين : أنبياء تشريع في خاصتهم ، كقوله (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) ، وأنبياء تشريع في غيرهم وهم الرسل عليهمالسلام ، فالأنبياء صلوات الله عليهم تولاهم الله بالنبوة ، وهم رجال اصطنعهم لنفسه ، واختارهم لخدمته ، واختصهم من سائر العباد لحضرته ، شرع لهم ما تعبدهم به في ذواتهم ، ولم يأمر بعضهم بأن يعدي تلك العبادات إلى غيرهم بطريق الوجوب ، فهم على شرع من الله ، أحلّ لهم أمورا ، وحرم عليهم أمورا ، قصرها عليهم دون غيرهم ، إذ كانت الدار الدنيا تقتضي ذلك ، لأنها دار الموت والحياة. والرسل صلوات الله وسلامه عليهم تولاهم الله بالرسالة ، فهم النبيون المرسلون إلى طائفة من الناس ، أو يكون إرسالا عاما إلى الناس ، ولم يحصل ذلك إلا لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، فبلّغ عن الله ما أمره الله بتبليغه في قوله (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ). فمقام التبليغ هو المعبر عنه بالرسالة لا غير ، واعلم أنه ليس من شرط كل مقام إذا دخله الإنسان ذوقا أن يحيط بجميع ما يتضمنه من جهة التفصيل ؛ فإنا نعلم أنا نجتمع مع الأنبياء عليهمالسلام في مقامات ، وبيننا وبينهم في العلم بأسرارها بون بعيد ، يكون عندهم ما ليس عندنا ، وإن شملنا المقام. (وَالصِّدِّيقِينَ) الصديق من آمن بالله ورسوله عن قول المخبر ، لا عن دليل سوى النور الإيماني الذي يجده في قلبه ، المانع له من تردد أو شك يدخله في قول المخبر الرسول ، ومتعلقه على الحقيقة الإيمان بالرسول ، ويكون الإيمان بالله على جهة القربة لا على إثباته ، إذ كان بعض الصديقين قد ثبت عندهم وجود الحق ضرورة أو نظرا ، ولكن ما ثبت كونه قربة ، ثم إن الرسول إذا آمن به الصديق آمن بما جاء به ، ومما جاء به توحيد الإله وهو قوله (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) أو (واعلم أنه لا إله إلا الله) فعلم أنه واحد في ألوهيته من حيث قوله (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) فذلك يسمى إيمانا ، ويسمى المؤمن به على هذا الحدّ صديقا. فإن نظر في دليل يدل على صدق قوله (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) ، وعثر على توحيده بعد نظره فصدق الرسول في قوله وصدق الله في قوله (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) فليس بصديق ،