الصديق أتم نورا من الشهيد في الصديقية ، لأنه صديق من وجهين : من وجه التوحيد ومن وجه القربة ، والشهيد من وجه القربة خاصة لا من وجه التوحيد ؛ فإن توحيده عن علم لا عن إيمان ، فنزل عن الصديق في مرتبة الإيمان ، وهو فوق الصديق في مرتبة العلم ، فهو المتقدم في رتبة العلم المتأخر برتبة الإيمان والتصديق ، فإنه لا يصح من العالم أن يكون صديقا ، وقد تقدم العلم مرتبة الخبر ، فهو يعلم أنه صادق في توحيد الله إذا بلغ رسالة الله ، والصديق لا يعلم ذلك إلا بنور الإيمان المعد في قلبه ، فعند ما جاءه الرسول اتبعه من غير دليل ظاهر. (وَالصَّالِحِينَ) الصالحون تولاهم الله بالصلاح ، وجعل رتبتهم بعد الشهداء في المرتبة الرابعة ، وما من نبي إلا وقد ذكر أنه صالح ، أو أنه دعا أن يكون من الصالحين مع كونه نبيا ، فدل على أن رتبة الصلاح خصوص في النبوة ، فقد تحصل لمن ليس بنبي ولا صديق ولا شهيد ، فصلاح الأنبياء هو مما يلي بدايتهم وهو عطف الصلاح عليهم ، فهم صالحون للنبوة فكانوا أنبياء ، وأعطاهم الدلالة فكانوا شهداء ، وأخبرهم بالغيب فكانوا صديقين ، فالأنبياء صلحت لجميع هذه المقامات فكانوا صالحين ، فجمعت الرسل جميع المقامات كما صلح الصديقون للصديقية وصلح الشهداء للشهادة ، فالصلاح أرفع صفة للأنبياء عليهمالسلام وهو مطلبهم ، فإن الله أخبرنا عنهم أنهم مع كونهم رسلا وأنبياء ، سألوا الله أن يدخلهم الله برحمته في عباده الصالحين ، وذكر في أولي العزم من رسله أنهم من الصالحين في معرض الثناء عليهم. فالصلاح يكون أخصّ وصف للرسل والأنبياء عليهمالسلام ، وهم بلا خلاف أرفع الناس منزلة وإن فضل بعضهم بعضا ، ومن نال الصلاح من عباد الله ، فقد نال ما دونه ، فله منازل الرسل والأنبياء عليهمالسلام ، وليس برسول ولا نبي ، لكن يغبطه الرسول والنبي ، لما يناله الرسول والنبي من مشقة الرسالة والنبوة ، لأنها تكليف وبها حصلت لهم المنزلة الزلفى ، ونالها صاحب العمل الصالح المغبوط من غير ذوق هذه المشقات ، ومن هنا تعرف قول الرسول صلىاللهعليهوسلم في قوم تنصب لهم منابر يوم القيامة في الموقف : [يخاف الناس ولا يخافون ، ويحزن الناس ولا يحزنون ، لا يحزنهم الفزع الأكبر ، ليسوا بأنبياء ، يغبطهم النبيون] حيث رأوا تحصيلهم هذه المنازل مع هذه الحال ، فهم غير مسئولين من بين الخلائق ، لم يدخلهم في عملهم خلل من زمان توبتهم ، فإن دخلهم خلل فليسوا بصالحين ، فمن شرط الصلاح استصحاب العصمة في الحال والقول والعمل ، ولا يكون هذا