لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) (٧٦)
فإن الماء وهو العنصر الأعظم في الإنسان أقوى من النار وهو العنصر الأعظم في الجان ، فلم ينسب إلى الشيطان من القوة شيئا ، وسبب ذلك أن النشأة الإنسانية تعطي التؤدة في الأمر والأناة والفكر والتدبر ، لغلبة العنصرين من الماء والتراب على مزاجه ، فيكون وافر العقل ، لأن التراب يثبطه ويمسكه ، والماء يلينه ويسهله ، والجان ليس كذلك ، فإنه ليس لعقله ما يمسكه عليه ذلك الإمساك الذي للإنسان ، وبذلك ضلّ عن طريق الهدى لخفة عقله وعدم تثبته في نظره فقال : أنا خير منه ، فجمع بين الجهل وسوء الأدب لخفته فأولياء الشياطين وليهم الطاغوت.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (٧٧)
(قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) أي التمتع بها قليل ، فما زهذ من زهد إلا لطلب الأكثر ، فما تركوا الدنيا إلا حذرا أن يرزأهم في الآخرة ، وأما من أمسك الدنيا من الأنبياء والكمّل من الأولياء ، فأمسكوا باطلاع عرفاني ، أنتج لهم أمرا عشقه بما في الإمساك من المعرفة والتحلي بالكمال ، لا عن بخل وضعف يقين. أرسل الله تعالى على أيوب رجل جراد من ذهب ، فسقط عليه ، فأخذ يجمعه في ثوبه ، فأوحى الله إليه : ألم أكن أغنيتك عن هذا؟ فقال : لا غنى لي عن خيرك. فانظر ما أعطته معرفته. واعلم أن ما عند الله لا نهاية له ، ودخول ما لا نهاية له في الوجود محال ، فكل ما دخل في الوجود فهو متناه ، فإذا أضيف ما تناهى إلى ما لا يتناهى ظهر كأنه قليل ، أو كأنه لا شيء.