وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٧٩)
فرفعت الاحتمال أو نصصت على الأمر بما هو عليه ، فأضاف السوء إليك والحسن إليه ، وقوله صدق وإخباره حق. وما أصابك من سيئة فمن نفسك ، لا من محمد صلىاللهعليهوسلم ، فما أعطيتك إلا على قدر قبولك. والسيئة في هذه الآية ظاهر الاسم وما هي السيئة شرعا فتكون فجورا ، وإنما هو ما يسوءه ولا يوافق غرضه ، وهو في الظاهر قولهم (إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) فأمره سبحانه أن يقول (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) فيعلم العالم بالله أنه أراد الحكم والإعلام بذلك أنه من عند الله لا عين السوء. ولما علم ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : [الخير كله بيديك والشر ليس إليك] ـ مسئلة نسبة الأفعال ـ إن لله بلا شك رائحة اشتراك في الفعل بالخبر الإلهي ، فأضاف العمل وقتا إلينا ووقتا إليه ، فلهذا قلنا فيه رائحة اشتراك ؛ قال تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) فأضاف الكل إلينا ، وقال (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) فقد يكون عطاؤه الإلهام ، وقد يكون خلق العمل. وقال تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) فأضاف الكل إليه ، وهذه مسئلة لا يتخلص فيها توحيد أصلا ، لا من جهة الكشف ولا من جهة الخبر ، فالأمر الصحيح في ذلك أنه مربوط بين حق وخلق ، غير مخلص لأحد الجانبين ، فإنه أعلى ما يكون من النسب الإلهية أن يكون الحق تعالى هو عين الوجود الذي استفادته الممكنات. فما ثمّ إلا وجود عين الحق لا غيره ، والتغييرات الظاهرة في هذه العين أحكام أعيان الممكنات ، فلولا العين ما ظهر الحكم ، ولولا الممكن ما ظهر التغيير ، فلا بد في الأفعال من حق وخلق. وفي مذهب بعض العامة أن العبد محل ظهور أفعال الله وموضع جريانها ، فلا يشهدها الحسّ إلا من الأكوان ، ولا تشهدها بصيرتهم إلا من الله من وراء حجاب هذا الذي ظهرت على يديه المريد لها المختار فيها ، فهو لها مكتسب باختياره ، وهذا مذهب الأشاعرة. ومذهب بعض العامة أيضا أن الفعل للعبد حقيقة ، ومع هذا فربط الفعل عندهم بين الحق والخلق لا يزول ، فإن هؤلاء يقولون : إن القدرة الحادثة في العبد التي يكون بها هذا الفعل من الفاعل أن الله خلق له القدرة عليها ، فما يخلص الفعل للعبد إلا بما خلق الله فيه من القدرة عليه ، فما زال الاشتراك ، وهذا مذهب أهل الاعتزال ، فهؤلاء ثلاثة أصناف : أصحابنا والأشاعرة والمعتزلة ما زال منهم وقوع