غيره ، والمرائي وإن كان لها أثر فليس ذلك من نورها ، وإنما النور يكون له أثر من كونه بلا واسطة في الكون ، ويكون له أثر آخر في مرآة تجليه ، بحكم يخالف حكمه من غير تلك الواسطة. فنور الشمس إذا تجلى في البدر يعطي من الحكم ما لا يعطيه من الحكم بغير البدر ، لا شك في ذلك. كذلك الاقتدار الإلهي إذا تجلى في العبيد فظهرت الأفعال عن الخلق ، فهو وإن كان بالاقتدار الإلهي ، ولكن يختلف الحكم ، لأنه بواسطة هذا المجلى الذي كان مثل المرآة لتجليه. وكما ينسب النور الشمسي إلى البدر في الحس ، والفعل لنور البدر وهو للشمس ، فكذلك ينسب الفعل للخلق في الحسّ ، والفعل إنما هو لله في نفس الأمر ، ولاختلاف الأثر تغير الحكم النوري في الأشياء ، فكان ما يعطيه النور بواسطة البدر خلاف ما يعطيه بنفسه بلا واسطة. كذلك يختلف الحكم في أفعال العباد ، ومن هنا يعرف التكليف على من توجه وبمن تعلق. وكما تعلم عقلا أن القمر في نفسه ليس فيه من نور الشمس شيء وأنّ الشمس ما انتقلت إليه بذاتها ، وإنما كان لها مجلى ، وأن الصفة لا تفارق موصوفها والاسم مسماه ، كذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه ، وإنما هو مجلى له خاصة ومظهر له ، وكما ينسب نور الشمس إلى البدر ، كذلك ينسب الاقتدار إلى الخلق حسا ، والحال الحال. وإذا كان الأمر بين الشمس والبدر بهذه المثابة من الخفاء ، وأنه لا يعلم ذلك كل أحد ، فما ظنك بالأمر الإلهي في هذه المسئلة مع الخلق ، أخفى وأخفى. وأما المشرك فإنه جاهل على الإطلاق ، فإن الشركة لا تصح بوجه من الوجوه ، فإن إيجاد الفعل لا يكون بالشركة ، ولهذا لم تلتحق المعتزلة بالمشركين ، فإنهم وحدوا أفعال العباد للعباد ، فما جعلوهم شركاء ، وإنما أضافوا الفعل إليهم عقلا وصدقهم الشرع في ذلك. والأشاعرة وحدوا فعل الممكنات كلها من غير تقسيم لله عقلا ، وساعدهم الشرع على ذلك ، لكن ببعض محتملات وجوه ذلك الخطاب ، فكانت حجج المعتزلة فيه أقوى في الظاهر ، وما ذهبت إليه الأشاعرة في ذلك أقوى عند أهل الكشف ، أهل الله ، وكلا الطائفتين صاحب توحيد ، والمشرك إنما جهّلناه لكون الموجود لا يتصف إلا بإيجاد واحد ، والقدرة ليس لها في الأعيان إلا الإيجاد ، فلا يكون الموجود موجودا بوجودين ، فلا يصح أن يكون الوجود عن تعلق قدرتين ؛ فإن كل واحد منهما تعطي الوجود للموجود ، فإذا أعطته الواحدة منهما وجوده فما للأخرى فيه من أثر ، فبطل إذا حققت الشركة في الفعل. فالمشرك الخاسر