المشروع نعته ، هو من أضاف ما يستحقه الإله إلى غير الله ، فعبده على أنه إله ، فكأنه جعله شريكا في المرتبة ، ولذلك قال تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) ، فهو إنكار عن نسبة الفعل الذي ظهر على العبد من الأمور التي نهى أن يعملها إلى الله ، والسيئة هو ما يسوءك فأنت محل أثر السوء. فمن حيث هو فعل لا يتصف بالسوء ، هو للاسم الإلهي الذي أوجده ، فإنه يحسن منه إيجاد مثل هذا الفعل ، فلا يكون سوءا إلا من يجده سوءا أو من يسوءه وهو نفس الإنسان ، إذ لا يجد الألم إلا من يوجد فيه ؛ ففيه يظهر حكمه لا من يوجده ، فإنه لا حكم له في فاعله ، فهذا معنى قوله (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) وإن كانت الحسنة كذلك ، فذلك يحسن عند الإنسان ، فإنها أيضا تحسن في جانب الحق الموجد لها ، فأضيفت الحسنة إلى الله الموجد لها ابتداء وإن كانت بعد الإيجاد تحسن أيضا فيك ، ولكن لا تسمى حسنة إلا من كونها مشروعة ، ولا تكون مشروعة إلا من قبل الله ، فلا تضاف إلا إلى الله ، والسيئة من قبل الحق حسنة ، لأنه بيّنها لتجتنب ، فتسوء من قامت به إما في الدنيا وإما في العقبى.
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (٨٠)
لأن الله وكلّه على عباده ، فأمر ونهى ، وتصرف بما أراه الله الذي وكلّه في التبليغ عنه ، فهو صلىاللهعليهوسلم لا ينطق إلا عن الله ، بل لا ينطق إلا بالله ، بل لا ينطق إلا الله منه ، فإن الله سمعه وبصره ولسانه ، وما خصّ الاسم الله من غيره من الأسماء في قوله (فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) إلا لكونه الاسم الجامع ، فله معاني جميع الأسماء كلها. واعلم أن كل ما أمر به الحق سمعنا وأطعنا في حال عدمنا ووجودنا إذا لم يخاطبنا بفهوانية الأمثال والأشكال ، فإذا خاطبنا بفهوانية الأمثال والأشكال وألسنة الأرسال ؛ فمن كان مشهوده ما وراء الحجاب ، وهو المثل والرسول سمع فأطاع من حينه ، ومن كان مشهوده المثل ، سمع ضرورة ولم يطع للحسد الذي خلق عليه من تقدّم أمثاله عليه ، فظهر المطيع والعاصي. ولهذا قال بعضهم : إنما احتجب الله في الدنيا عن عباده لأنه سبق في علمه أن يكلفهم ويأمرهم وينهاهم ، وقد قدّر عليهم بمخالفة أمره وبموافقته في أوقات ، فلا بد من ظهور المخالفة والموافقة ، فخاطبهم على ألسنة الرسل عليهمالسلام ، وحجب ذاته سبحانه عنهم في صورة الرسول ، وذلك لأنه قال (مَنْ يُطِعِ