ذكر في تمام الآية (وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) كان حرف وجودي ، ويطلق من الوجه الذي لا يقبل به ظرفية الزمان على الله ، فيقال (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) (٩٧)
قال تعالى : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) ولم يقل منها ولا إليها ، فهي أرض الله سواء سكنها من يعبده أو من يستكبر عن عبادته ، فإن مكة أشرف البقاع وإنها بيت الله الذي يحج إليه من مشارق الأرض ومغاربها ، ومع ذلك أمر وعظم الأجر لمن يهاجر منها من أجل ساكنيها ، فلما فتحها الله وأسكنها المؤمنين من عباده قال صلىاللهعليهوسلم : [لا هجرة بعد الفتح] ولما قال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) أي حكم ، فما عبد من عبد غير الله إلا لهذا الحكم ، فلم يعبد إلا الله وإن أخطؤوا في النسبة ، إذ كان لله في كل شيء وجه خاص ، به ثبت ذلك الشيء ، فما خرج أحد عن عبادة الله. ولما أراد الله أن يميّز بين من عبده على الاختصاص وبين من عبده في الأشياء ، أمر بالهجرة من الأماكن الأرضية التي يعبد الله فيها في الأعيان ، ليميز الله الخبيث من الطيب ، فالخبيث هو الذي عبد الله في الأغيار ، والطيب هو الذي عبد الله لا في الأغيار. فعليك بالهجرة ، ولا تقم بين أظهر الكفار ، فإن في ذلك إهانة دين الإسلام وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله ، فإن الله ما أمر بالقتال إلا لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى. وإياك والإقامة أو الدخول تحت ذمة كافر ما استطعت. واعلم أن المقيم بين أظهر الكفار مع تمكنه من الخروج من بين ظهرانيهم لا حظّ له في الإسلام ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم قد تبرأ منه ، ولا يتبرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مسلم ، وقد ثبت عنه أنه صلىاللهعليهوسلم قال : [أنا بريء من مسلم يقيم بين أظهر المشركين] فما اعتبر له كلمة الإسلام. وقال الله تعالى فيمن مات وهو بين أظهر المشركين (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ)