السفر يؤثر في الصلاة القصر باتفاق ، إلا عائشة رضي الله عنها قالت : لا يجوز القصر إلا للخائف لقوله عزوجل (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا). والذي أقول به إن القصر للمسافر فرض متعين في كل سفر ، قريبا كان أو بعيدا. فالمعتبر فيه اللسان ، قربة كان أو مباحا أو معصية. ومدة القصر الأولى عندي فيها أن ينظر في مدة إقامة النبي صلىاللهعليهوسلم بمكة إلى أن رجع إلى المدينة ، فإنه كان يقصر في تلك المدة. واتفق العلماء كلهم على الجمع بين الظهر والعصر في أول الظهر يوم عرفة ، وعلى الجمع بين المغرب والعشاء بتأخير المغرب إلى وقت العشاء بالمزدلفة ، فلا يصح الجمع بين الصلاتين إلا فيما ذكرناه من عرفة وجمع ـ إشارة ـ السفر حال لازم لكل ما سوى الله في الحقائق الإلهية ، بل لكل من يتصف بالوجود ، وهو سفر الأكابر من الرجال ، فهو سفر بالعلم والتحقق ، وسفر في الأسماء الإلهية بالتخلق ، وهو سفر حاله نازل عن الحال الأول ، وسفر ثالث في الأكوان بالاعتبار ، وهو حال دون الحالين ، وسفر جامع لهذه الأسفار كلها في أحوالها ، وهو أعظم أسفار الكون ، والأول أعظم الأسفار وأجلها ، والقصر في الخوف ، فإن العبد مطلوب في كل نفس بمراقبة الحق في حكمه تعالى في ذلك النفس بما شرع له تعالى فيه خاصة ، وما كل أحد يقدر على مراعاة هذا المقام مع الحق ، فلا يزال في خوف دائما ، فالعارف إذا حصل فيه وخاف أن يلتبس عليه مناجاة الحق في الأنفاس ، اقتصر من المناجاة على ما يختص بذلك النفس ، فكان الخوف سببا للقصر.
(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) (١٠٢)