(وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) (١٠٥)
ما ثم شارع إلا الله تعالى قال تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) ولم يقل بما رأيت بل عتبه سبحانه وتعالى لما حرم على نفسه باليمين في قضية عائشة وحفصة ، فقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) فكان هذا مما أرته نفسه. فهذا يدلك أنّ قوله تعالى (بِما أَراكَ اللهُ) أنه ما يوحي به إليه لا ما يراه في رأيه. فلو كان الدين بالرأي ، لكان رأي النبي صلىاللهعليهوسلم أولى من رأي كل ذي رأي فإذا كان هذا حال النبي صلىاللهعليهوسلم فيما أرته نفسه فكيف رأي من ليس بمعصوم ومن الخطأ أقرب إليه من الإصابة. فدل أن الاجتهاد الذي ذكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إنما هو طلب الدليل على تعيين الحكم في المسئلة الواقعة لا في تشريع حكم في النازلة ، فإن ذلك شرع لم يأذن به الله. فالمؤمنون يؤمنون بأن رأيه صلىاللهعليهوسلم شرع ، وأن الله أراه ذلك ، فإنه لا ينطق عن الهوى ، فحكمه حكم الله ، وهو ناقل عن الله ومبلغ عنه بما أراه الله ، وهو سرّ السنة في إثبات الحكم.
(وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) (١٠٨)
ما أحسن ما قال تعالى (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) فإنهم مجبولون على النسيان (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) الذي لا يضلّ ولا ينسى. وكان الأولى لو صح عكس القضية