الله إليه يا إبراهيم صدقك ؛ لي سبعون سنة أرزقه ، وهو يشرك بي فتريد أنت منه أن يترك دينه ودين آبائه لأجل لقمة؟ فلحقه إبراهيم عليهالسلام ، وسأله الرجوع إليه ليقريه واعتذر إليه. فقال له المشرك يا إبراهيم ما بدا لك؟ فقال إن ربي عتبني فيك ، وقال لي : أنا أرزقه منذ سبعين سنة على كفره بي ، وأنت تريد منه أن يترك دينه ودين آبائه لأجل لقمة؟ فقال المشرك أو قد وقع هذا؟ مثل هذا ينبغي أن يعبد. فأسلم ورجع مع إبراهيم عليهالسلام إلى منزله. ثم عمّت كرامته خلق الله من كل وارد ورد عليه ، فقيل له في ذلك فقال : تعلمت الكرم من ربي ، رأيته لا يضيع أعداءه فلا أضيعهم. فأوحى الله إليه : أنت خليلي حقّا. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل ـ الخلة ـ اعلم أن المخاللة لا تصحّ إلا بين الله وبين عبده ، ولا تصح المخاللة بين المخلوقين المؤمنين ، فإن شروط الخلة لا تصح بين المؤمنين ولا بين النبي وتابعيه ، فإذا لم تصح شروطها ، لا تصح هي في نفسها ، فإن النبي والمؤمن بحكم الله لا بحكم خليله ولا بحكم نفسه. ومن شروط الخلة أن يكون الخليل بحكم خليله ، وهذا لا يتصور مطلقا بين المؤمنين ولا بين الرسل وأتباعهم في الدار الدنيا. والمؤمن تصح الخلة بينه وبين الله ، ولا تصح بينه وبين الناس. فالنبي ليس له خليل ولا هو صاحب لأحد سوى نبوته ، وكذلك المؤمن ليس له خليل ولا صاحب سوى إيمانه. فمن لا يتصرف إلا عن أمر إلهي لا يكون خليلا لأحد ولا صاحبا أبدا. فمن اتخذ خليلا غير الله ، فقد جهل مقام الخلة ، فلا خليل إلا الله. قال صلىاللهعليهوسلم : لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، لكن صاحبكم خليل الله. فإذا علمت أن الله لا يستحيل عليه خلة عباده ، فاجهد أن تكون أنت ذلك الخليل بأن تنظر إلى ما يؤدي إلى تحصيل هذه الخلة الشريفة ، فإنك لا تجد لها سببا إلا الموافقة ، ولا علم لنا بموافقتنا الحق إلا موافقتنا شرعه ؛ فما حرمّ حرّمناه ، وما أحلّ أحللناه ، وما أباحه أبحناه ، وما كرهه كرهناه ، وما ندب إليه ندبنا إليه ، وما أوجبه أوجبناه ، فإذا عمك هذا في نفسك ، وكانت هذه صفتك ، وقمت فيها مقام حق ، صحت لك الخلة لا بل المحبة التي هي أعظم وأخص من الخلة ، لأن الخليل يصحبك لك ، والمحب يصحبك لنفسه ، فشتان ما بين الخلة والمحبة. فالخليل يعتضد بخليله والحبيب يبطن في محبه فيقيه بنفسه. فالحق مجنّ المحبوب ، والخليل مجنّ خليله. فينبغي للإنسان الطالب مقام الخلة أن يحسن عامة لجميع خلق الله كافرهم ومؤمنهم طائعهم