وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (١٣٦)
ـ الوجه الأول ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) في الأخذ الميثاقي (آمَنُوا) لقول الرسول إليكم من عندنا ، فلولا أن الإيمان كان عندهم ما وصفوا به ، فما ثم إيمان محدث بل هو مكتوب في قلب كل مؤمن ، فإن زال في حقّ المريد الشقاء ، فإنما تزول وحدانية المعبود لا وجوده ، وبالتوحيد تتعلق السعادة ، وبنفيه يتعلق الشقاء المؤبد. فما في العالم إلا مؤمن ، لأن ما في العالم إلا من هو ساجد لله إلا بعض الثقلين من الجن والإنس ، فإن الإنسان الواحد منهم كثيرا ممن يسبح الله ويسجد لله وفيه من لا يسجد لله وهو الذي حق عليه العذاب. فقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فسماهم مؤمنين وأمرهم بالإيمان ؛ فالأول عموم الإيمان ، فإن الله قال في حق قوم والذين آمنوا بالباطل ، والثاني خصوص الإيمان وهو المأمور به ، والأول إقرار منهم من غير أن يقترن به تكليف ، بل ذلك عن علم ، وأيسره في بني آدم حين أشهدهم على أنفسهم فقال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) ، فخاطبهم بالمؤمنين حين أيه بهم ، ثم أمرهم بالإيمان في هذه الحالة الأخرى. وقوله (آمِنُوا بِاللهِ) ولم يقل بتوحيد الله ، فمن آمن بوجود الله فقد آمن ، ومن آمن بتوحيده فما أشرك. فالإيمان إثبات ، والتوحيد نفي الشريك. ـ الوجه الثاني ـ تدل هذه الآية على إطلاق لفظة الإيمان من حيث الإطلاق وعدم التقييد على كل من آمن بالباطل فإنه قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأطلق الله الإيمان ولم يقيده ، فإنه قال في المشركين (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) وقال (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) ، فسمى المشرك مؤمنا ، وما كانوا مؤمنين إلا بالباطل. فهؤلاء هم المؤمنون الذين أيه الله بهم في قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) فميزهم عن أهل الكتاب والكتب ، وما ثم مخبر جاء بخبر إلا الرسل ، فتعين أن المؤمنين الذين أمروا بالإيمان أنهم الذين آمنوا بالباطل وآمنوا بالشريك ، ودلّ على أنه ما خاطب أهل الكتاب فقط ، فإنه أمرهم بالإيمان بالكتاب الذي أنزل من قبل ، ولا شك أنهم به مؤمنون أعني علماء أهل الكتاب ، ثم قيد الكفر في هذه الآية ولم يقيد الإيمان فقال (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ) فقيد في الذكر ما أمر به عبده أن يؤمن به ، وما تعرض في الذكر للكفر المطلق ، كما أطلق الإيمان ونعتهم به في قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وما كانوا مؤمنين إلا بالباطل ، فإن